التحق بمدرسة القلعة الابتدائية الخيرية ثم بمدرسة المبتديان فالمدرسة الخديوية، فكان زميل دراسة مع الزعيم مصطفى كامل،انتقل خاله إلى مدينة طنطا، وهناك التحق حافظ إبراهيم بالمعهد الأحمدي، فاتصل بالشيخ عبد الوهاب النجار الذي كان يدفعه إلى مطالعة دواوين الشعراء الأوائل
وظل حافظ يعيش في كنف خاله فترة من الوقت ثم رحل عنه بعد أن أحس بضيق حاله، انتهى به الأمر إلى مكتب المحامي محمد أبو شادي، أحد زعماء ثورة ١٩١٩، وهناك اطلع على كتب الأدب ثم ترك المهنة وسافر إلى القاهرة وعمره لا يتجاوز السادسة عشرة، واشتغل بالمحاماة ثم سرعان ما ترك المهنة والتحق بالمدرسة الحربية في عام ١٨٨٨ وتخرج منها في عام ١٨٩١ ضابط برتبة ملازم ثان في الجيش المصري وعين ضابطًا في نظارة الحربية، وظل بها ثلاثة سنوات ثم نقل إلى الداخلية ملاحظ بوليس في بني سويف، ثم عاد مرة أخرى إلى الحربية.
في عام ١٨٩٦ أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية التي كانت بقيادة كتشنر، وفي عام ١٨٩٩ شبت ثورة في السودان واتهم في "حادثة الجباخانة". علي إثرها سافر حافظ إلى القاهرة ومنذ عام ١٩٠١، وعلى مدار عشر سنوات كاملة كان ينظم الشعر، وفي تلك الفترة تعرف على الإمام محمد عبده، والشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد وهو الذي أطلق عليه لقب "شاعر النيل". ونشر حافظ إبراهيم على صفحات المؤيد قصائده .
كان حافظ إبراهيم إحدى عجائب زمانه، ليس فقط في جزالة شعره بل في قوة ذاكرته والتي قاومت السنين ولم يصبها الوهن والضعف على مر 60 سنة هي عمر حافظ إبراهيم، فإنها ولا عجب إتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان باستطاعته – بشهادة أصدقائه – أن يقرأ كتاب أو ديوان شعر كامل في عده دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذاك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم أو طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالروايه التي سمع القارئ يقرأ بها.
صدر له ديوان حافظ إبراهيم (ثلاثة أجزاء) عام ١٩٠٣، وأعيدت طباعته عدة مرا ترجم بعض القصائد لشعراء الغرب مثل شكسبير، وترجم رواية "البؤساء" عن فكتور هوغو، ألف حافظ رواية واحدة هي ليالي سطيح، كانت له بعض الكتابات النثرية منها الموجز في علم الاقتصاد، (بالاشتراك مع خليل مطران).
يعتبر شعره سجل الأحداث، إنما يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.
في عام ١٩١١ أصدر مدحت باشا ناظر المعارف قرارًا بتعيين حافظ إبراهيم باشا رئيسًا للقسم الأدبي بدار الكتب، فأخذ يتدرج في المناصب حتى أصبح مديرًا لها إلى أن أحيل إلى المعاش عام ١٩٣٢. في عام ١٩١٢ حصل على لقب "البكوية" ووسام من الخديوي عباس حلمي الثاني.
من أروع المناسبات التي أنشد حافظ بك فيها شعره بكفاءة؛ حفلة تكريم أحمد شوقي ومبايعته أميرًا للشعر في دار الأوبرا عام ١٩٢٧، وأيضًا القصيدة التي أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل .
مع تلك الهبة الرائعة، فإن حافظ صابه - ومن فترة امتدت من 1911 إلى 1932 – داء اللامبالاه والكسل وعدم العناية بتنميه مخزونه الفكرى وبالرغم من إنه كان رئيساً للقسم الأدبى بدار الكتب إلا أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتاباً واحداً من آلاف الكتب التي تزخر بها دار المعارف، الذي كان الوصول إليها يسير بالنسبة لحافظ، تقول بعض الآراء ان هذه الكتب المترامية الأطراف القت في سأم حافظ الملل، ومنهم من قال بأن نظر حافظ بدا بالذبول خلال فترة رئاسته لدار الكتب وخاف من المصير الذي لحق بالبارودى في أواخر أيامه. كان حافظ إبراهيم رجل مرح وأبن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس ببشاشته وفكاهاته الطريفة التي لاتخطئ مرماها.
وأيضاً تروى عن حافظ أبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فكما قال العقاد (مرتب سنة في يد حافظ إبراهيم يساوى مرتب شهر) ومما يروى عن غرائب تبذيره أنه استأجر قطار كامل(قطارا كاملا) ليوصله بمفرده إلى حلوان حيث يسكن وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية.
مثلما يختلف الشعراء.. في طريقة توصيل الفكرة أو الموضوع إلى المستمعين أو القراء، كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه أستعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة بالإضافة أن الجميع اتفقوا على أنه كان أحسن خلق الله إنشاداً للشعر. ومن أروع المناسبات التي أنشد حافظ بك فيها شعره بكفاءة هي حفلة تكريم أحمد شوقى ومبايعته أميراً للشعر في دار الأوبرا الخديوية، وأيضاً القصيدة التي أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل التي خلبت الألباب وساعدها على ذلك الأداء المسرحى الذي قام به حافظ للتأثير في بعض الأبيات، ومما يبرهن ذلك ذلك المقال الذي نشرته إحدى الجرائد والذي تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ. ومن الجدير بالذكر أن أحمد شوقى لم يُلقِ في حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه فيتلعثم عند الإلقاء.وقد تميز بجمال شعره.
حافظ كما يقول عنه خليل مطران "أشبه بالوعاء يتلقى الوحى من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها في نفسه, فيمتزج ذلك كله بشعوره وإحساسه، فيأتى منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذي يحس كل مواطن أنه صدى لما في نفسه". ويقول عنه أيضاً "حافظ المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج على منوالها ويتذوق نفائس مفرادتها وإعلاق حلالها." وأيضاً "يقع إليه ديوان فيتصفحه كله وحينما يظفر بجيده يستظهره، وكانت محفوظاته تعد بالألوف وكانت لا تزال ماثلة في ذهنه على كبر السن وطول العهد، بحيث لا يمترى إنسان في ان هذا الرجل كان من أعاجيب الزمان". وقال عنه العقاد "مفطوراً بطبعه على إيثار الجزالة والإعجاب بالصياغة والفحولة في العبارة." ويذكره الشاعر العراقي فالح الحجية في كتابه الموجز في الشعرالعربي الجزء الثالث فيقول(يتميز شعرحافظ إبراهيم بالروح الوطنية الوثابة نحو التحرر ومقارعة الاستعمار سهل المعاني واضح العبارة قوي الأسلوب متين البناء اجاد في كل الأغراض الشعرية المعروفة) كان أحمد شوقى يعتز بصداقه حافظ إبراهيم ويفضله على أصدقائه. وكان حافظ إبراهيم يرافقه في عديد من رحلاته وكان لشوقى أيادى (أيادٍ) بيضاء على حافظ فساهم في منحه لقب بك وحاول أن يوظفه في جريدة الأهرام ولكن فشلت هذه المحاولة لميول صاحب الأهرام - وكان حينذاك من لبنان - نحو الإنجليز وخشيته من المبعوث البريطانى اللورد كرومر.
وفاته :
توفي حافظ إبراهيم فى 21 يونيو سنة 1932م في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس، وكان قد أستدعى 2 من أصحابه لتناول العشاء ولم يشاركهما لمرض أحس به. وبعد مغادرتهما شعر بوطئ المرض فنادى غلامه الذي أسرع لاستدعاء الطبيب وعندما عاد كان حافظ في النزع الأخير، توفى ودفن في مقابر السيدة نفيسة (
عندما توفى حافظ كان أحمد شوقي يصطاف في الإسكندرية وبعدما بلّغه سكرتيره – أي سكرتير شوقى - بنبأ وفاة حافظ بعد ثلاث أيام لرغبة سكرتيره في إبعاد الأخبار السيئة عن شوقي ولعلمه بمدى قرب مكانة حافظ منه، شرد شوقي لحظات ثم رفع رأسه وقال أول بيت من مرثيته لحافظ :
قــد كـنتُ أُوثــــــــرُ أَن تقـولَ رِثـائي
يـا مُنْصِـفَ المـــــــوْتى مـن الأَحيـاءِ
لكـنْ سـبَقْتَ, وكـــــــلُّ طـولِ سـلامةٍ
قـــدرٌ, وكـــــــــــــــلٌ مَنِيَّــةٍ بقضــاءِ
الحـقُّ نـادَى فاسْـتــــجَبْتَ, ولـم تَـزلْ
بــالحقِّ تحــــــــفِلُ عنـــــدَ كـلِّ نِـداءِ
وأَتيْـت صحـراءَ الإِمـــــامِ تـذوب من
طُــولِ الحـنينِ لســـــــاكن الصحـراءِ
فلقيــت فـي الــــــــدار الإِمـامَ محـمدً
أ فــي زُمْــرَةِ الأَبــــــــرارِ والحُنفـاءِ
أَثَــرُ النعيــم عـــــــلى كـريمِ جبينـه
ومراشـــدُ التفســـــــــــيرِ والإِفتــاءِ
فشــكوتما الشَّـــوْقَ القـديمَ, وذُقْتُمـا
طِيــبَ التـداني بعـدَ طـــــــولِ تنـائي
إِنْ كــانت الأُولـــــــــى منـازلَ فُرْقـةٍ
فالســمْحَةُ الأُخـــــــــرى ديــارُ لِقـاءِ
من أعمال حافظ إبراهيم :
مَرِضنا فَما عادَنا عائِدُ
مَرِضنا فَما عادَنا عائِدُ وَلا قيلَ أَينَ الفَتى الأَلمَعي
وَلا حَنَّ طِرسٌ إِلى كاتِبٍ وَلا خَفَّ لَفظٌ عَلى مِسمَعِ
سَكَتنا فَعَزَّ عَلَينا السُكوتُ وَهانَ الكَلامُ عَلى المُدَّعي
فَيا دَولَةً آذَنَت بِالزَوالِ رَجَعنا لِعَهدِ الهَوى فَاِرجِعي
وَلا تَحسَبينا سَلَونا النَسيبَ وَبَينَ الضُلوعِ فُؤادٌ يَعي
بَلابِلَ وادي النيلِ بِالمَشرِقِ اِسجَعي
بَلابِلَ وادي النيلِ بِالمَشرِقِ اِسجَعي بِشِعرِ أَميرِ الدَولَتَينِ وَرَجِّعي
أَعيدي عَلى الأَسماعِ ما غَرَّدَت بِهِ يَراعَةُ شَوقي في اِبتِداءٍ وَمَقطَعِ
بَراها لَهُ الباري فَلَم يَنبُ سِنُّها إِذا ما نَبا العَسّالُ في كَفِّ أَروَعِ
مَواقِعُها في الشَرقِ وَالشَرقُ مُجدِبٌ مَواقِعُ صَيبِ الغَيثِ في كُلِّ بَلقَعِ
لَدَيها وُفودُ اللَفظِ تَنساقُ خَلفَها وُفودُ المَعاني خُشَّعاً عِندَ خُشَّعِ
إِذا رَضِيَت جاءَت بِأَنفاسِ رَوضَةٍ وَإِن غَضِبَت جاءَت بِنَكباءَ زَعزَعِ
أَحَنُّ عَلى المَكدودِ مِن ظِلِّ دَوحَةٍ وَأَحنى عَلى المَولودِ مِن ثَديِ مُرضِعِ
عَلى سِنِّها رِفقٌ يَسيلُ وَرَحمَةٌ وَرَوحٌ لِمَن يَأسى وَذِكرى لِمَن يَعي
تَسابَقُ فَوقَ الطِرسِ أَفكارُ رَبِّها سِباقَ جِيادٍ في مَجالٍ مُرَبَّعِ
تَطيرُ بُروقُ الفِكرِ خَلفَ بُروقِها تُناشِدُها بِاللَهِ لا تَتَسَرَّعي
تُحاوِلُ فَوتَ الفِكرِ لَو لَم تَكُفَّها أَنامِلُهُ كَفَّ الجَموحِ المُرَوَّعِ
أَلَم تَعلَموا أَنّا بُذُخرَي نَباغَةٍ نُفاخِرُ أَهلَ الشَرقِ في أَيِّ مَجمَعِ
نُفاخِرُ مِن شَوقِيِّنا بِيَراعَةٍ وَنَزدادُ فَخراً مِن عَلِيٍّ بِمِبضَعِ
فَذاكَ شِفاءُ الجِسمِ تَدمى جِراحُهُ وَتِلكَ شِفاءُ الوالِهِ المُتَوَجِّعِ
نَمَتكَ ظِلالٌ وارِفاتٌ وَأَنعُمٌ وَلَيِّنُ عَيشٍ في مَصيفٍ وَمَربَعِ
وَمَن كانَ في بَيتِ المُلوكِ ثَواؤُهُ يُنَشَّأُ عَلى النُعمى وَيَمرَح وَيَرتَعِ
لَئِن عَجِبوا أَن شابَ شَوقي وَلَم يَزَل فَتِيَّ الهَوى وَالقَلبِ جَمَّ التَمَتُّعِ
لَقَد شابَ مِن هَولِ القَوافي وَوَقعِها وَإِتيانِهِ بِالمُعجِزِ المُتَمَنِّعِ
كَما شَيَّبَت هودٌ ذُؤابَةَ أَحمَدٍ وَشَيَّبَتِ الهَيجاءُ رَأسَ المُدَرَّعِ
يَعيبونَ شَوقي أَن يُرى غَيرَ مُنشِدٍ وَما ذاكَ عَن عِيٍّ بِهِ أَو تَرَفُّعِ
وَما كانَ عاباً أَن يَجيءَ بِمُنشِدٍ لِآياتِهِ أَو أَن يَجيءَ بِمُسمِعِ
فَهَذا كَليمُ اللَهِ قَد جاءَ قَبلَهُ بِهارونَ ما يَأمُرهُ بِالوَحيِ يَصدَعِ
بَلَغتَ بِوَصفِ النيلِ مِن وَصفِكَ المَدى وَأَيّامَ فِرعَونٍ وَمَعبودِهِ رَعِ
وَما سُقتَ مِن عادِ البِلادِ وَأَهلِها وَما قُلتَ في أَهرامِ خوفو وَخَفرَعِ
فَأَطلَعتَها شَوقِيَّةً لَو تَنَسَّقَت مَعَ النَيِّراتِ الزُهرِ خُصَّت بِمَطلَعِ
أَمِن أَيِّ عَهدٍ في القُرى قَد تَفَجَّرَت يَنابيعُ هَذا الفِكرِ أَم أُختُ يوشَعِ
وَفي توتَ ما أَعيا اِبتِكارَ مُوَفَّقٍ وَفي ناشِئٌ في الوَردِ إِلهامُ مُبدِعِ
أَسالَت سَلا قَلبي شُؤوني تَذَكُّرا كَما نَثَرَت ريمٌ عَلى القاعِ أَدمُعي
وَسَل يَلدِزاً إِنّي رَأَيتُ جَمالَها عَلى الدَهرِ قَد أَنسى جَمالَ المُقَنَّعِ
أَطَلَّت عَلَينا أُختُ أَندَلُسٍ بِما أَطَلَّت فَكانَت لِلنُهى خَيرَ مَشرَعِ
وَفي نَسجِ صَدّاحٍ أَتَيتَ بِآيَةٍ مِنَ السَهلِ لا تَنقادُ لِاِبنِ المُقَفَّعِ
وَرائِع وَصفٍ في أَبي الهَولِ سُقتَهُ كَبُستانِ نورٍ قَبلَ رَعيِكَ ما رُعي
خَرَجتَ بِهِ عَن طَوقِ كُلِّ مُصَوِّرٍ يُجيدُ دَقيقَ الفَنِّ في جَوفِ مَصنَعِ
وَفي اُنظُر إِلى الأَقمارِ زَفرَةُ واجِدٍ وَأَنَّةُ مَقروحِ الفُؤادِ مُوَزَّعِ
بَكَيتَ عَلى سِرِّ السَماءِ وَطُهرِها وَما اِبتَذَلوا مِن خِدرِها المُتَرَفِّعِ
شَياطينُ إِنسٍ تَسرِقُ السَمعَ خِلسَةً وَلا تَحذَرَ المَخبوءَ لِلمُتَسَمِّعِ
وَسينِيَّةٍ لِلبُحتُرِيِّ نَسَختَها بِسينِيَّةٍ قَد أَخرَسَت كُلَّ مُدَّعي
أَتى لَكَ فيها طائِعاً كُلُّ ما عَصى عَلى كُلِّ جَبّارِ القَريحَةِ المَعي
شَجا البُحتُري إيوانُ كِسرى وَهاجَهُ وَهاجَت بِكَ الحَمراءُ أَشجانَ موجَعِ
وَقَفتَ بِها تَبكي الرُبوعَ كَما بَكى فَيا لَكُما مِن واقِفَينِ بِأَربُعِ
فَنَسجُكَ كَالديباجِ حَلّاهُ وَشيُهُ وَفي النَسجِ ما يَأتي بِثَوبٍ مُرَقَّعِ
وَشِعرُكَ ماءُ النَهرِ يَجري مُجَدَّداً وَشِعرُ سَوادِ الناسِ ماءٌ بِمَنقَعِ
أَأَفضى إِلى خَتمِ الزَمانِ فَفَضَّهُ مِنَ الوَحيِ وَالإِلهامِ أَم قَولُ لَوذَعي
وَقَلبي اِدَّكَرتَ اليَومَ غَيرَ مُوَفَّقٍ رُقى السِحرِ أَم أَنّاتُ أَسوانَ مولَعِ
تَمَلَّكتَ مِن مُلكِ القَريضِ فَسيحَهُ فَلَم تُبقِ يا شَوقي لَنا قَيدَ إِصبَعِ
فَبِاللَهِ دَع لِلناثِرينَ وَسيلَةً تُفيءُ عَلَيهِم وَاِتَّقِ اللَهَ وَاِقنَعِ
عَمِلتَ عَلى نَيلِ الخُلودِ فَنِلتَهُ فَقُل في مَقامِ الشُكرِ يا رَبِّ أَوزِعِ
جَلا شِعرُهُ لِلناسِ مِرآةَ عَصرِهِ وَمِرآةَ عَهدِ الشِعرِ مِن عَهدِ تُبَّعِ
يَجيءُ لَنا آناً بِأَحمَدَ ماثِلاً وَآوِنَةً بِالبُحتُرِيِّ المُرَصَّعِ
وَيَشأو رُقى هوجو وَيَأتي نَسيبُهُ لَنا مِن لَيالي أَلفَريدَ بِأَربَعِ
وَإِن خَطَرَت ذِكرى الفُحولِ بِفارِسٍ وَما خَلَّفوا في القَولِ مِن كُلِّ مُشبِعِ
أَتانا بِرَوضٍ مُزهِرٍ مِن رِياضِهِم وَحافِظُهُم فيهِ يُغَنّي وَيَرتَعي
فَقُل لِلَّذي يَبغي مَداهُ مُنافِساً طَمِعتَ لَعَمرُ اللَهِ في غَيرِ مَطمَعِ
فَذَلِكَ سَيفٌ سَلَّهُ اللَهُ قاطِعٌ فَأَيّانَ يَضرِب يَفرِ دِرعاً وَيَقطَعِ
وَهَل تَدفَعُ الدِرعُ المَنيعَةُ صارِماً بِهِ يَضرِبُ المِقدارُ في كَفِّ سَلفَعِ
نُفيتَ فَلَم تَجزَع وَلَم تَكُ ضارِعاً وَمَن تَرمِهِ الأَيّامُ يَجزَع وَيَضرَعِ
وَأَخصَبتَ في المَنفى وَما كُنتَ مُجدِباً وَفي النَفيِّ خِصبُ العَبقَرِيِّ السَمَيذَعِ
لَقَد زادَ هوجو فيهِ خِصبَ قَريحَةٍ وَآبَ إِلى أَوطانِهِ جِدَّ مُمرِعِ
وَأَدرَكَ سامي بِالجَزيرَةِ غايَةً إِلَيها مُلوكُ القَولِ لَم تَتَطَلَّعِ
تَذَكَّرتَ عَذبَ النيلِ وَالنَفسُ صَبَّةٌ إِلى نَهلَةٍ مِن كوبِ ماءٍ مُشَعشَعِ
وَأَرسَلتَ تَستَسقي بَني مِصرَ شَربَةً فَقَطَّعتَ أَحشائي وَأَضرَمتَ أَضلُعي
أَنَروى وَلا تَروى وَأَنتَ أَحَقُّنا بِرِيٍّ فَيا قَلبَ النُبوغِ تَقَطَّعِ
وَإِن شِئتِ عَنّا يا سَماءُ فَأَقلِعي وَيا ماءَها فَاِكفُف وَيا أَرضُ فَاِبلَعي
حَرامٌ عَلَينا أَن نَلَذَّ بِنَهلَةٍ وَأَنتَ تُنادينا وَنَحنُ بِمَسمَعِ
أَبى اللَهُ إِلّا أَن يَرُدَّكَ سالِماً وَمَن يَرعَهُ يَسلَم وَيَغنَم وَيَرجِعِ
وَعُدتَ فَقَرَّت عَينُ مِصرٍ وَأَصبَحَت رِياضُ القَوافي في رَبيعٍ مُوَشَّعِ
وَأَدرَكتَ ما تَبغي وَشَيَّدتَ آيَةً عَلى الشاطِئِ الغَربِيِّ في خَيرِ مَوقِعِ
يَحُفُّ بِها رَوضٌ يُحَيّي بُدورَها بُكوراً بِرَيّا عَرفِهِ المُتَضَوِّعِ
حِمىً يَتَهادى النيلُ تَحتَ ظِلالِهِ تَهادِيَ خَودٍ في رِداءٍ مُجَزَّعِ
لَقَد كُنتَ تَرجو مِنهُ بِالأَمسِ قَطرَةً فَدونَكَهُ فَاِبرُد غَليلَكَ وَاِنقَعِ
أَميرَ القَوافي قَد أَتَيتُ مُبايِعاً وَهَذي وُفودُ الشَرقِ قَد بايَعَت مَعي
فَغَنِّ رُبوعَ النيلِ وَاِعطِف بِنَظرَةٍ عَلى ساكِني النَهرَينِ وَاِصدَح وَأَبدِعِ
وَلا تَنسَ نَجداً إِنَّها مَنبِتُ الهَوى وَمَرعى المَها مِن سارِحاتٍ وَرُتَّعِ
وَحَيِّ ذُرا لُبنانَ وَاِجعَل لِتونُسٍ نَصيباً مِنَ السَلوى وَقَسِّم وَوَزِّعِ
فَفي الشِعرِ حَثُّ الطامِحينَ إِلى العُلا وَفي الشِعرِ زُهدُ الناسِكِ المُتَوَرِّعِ
وَفي الشِعرِ ما يُغني عَنِ السَيفِ وَقعُهُ كَما رَوَّعَ الأَعداءَ بَيتٌ لِأَشجَعِ
وَفي الشِعرِ إِحياءُ النُفوسِ وَرِيُّها وَأَنتَ لِرِيِّ النَفسِ أَعذَبُ مَنبَعِ
فَنَبِّه عُقولاً طالَ عَهدُ رُقادِها وَأَفئِدَةً شُدَّت إِلَيها بِأَنسُعِ
فَقَد غَمَرَتها مِحنَةٌ فَوقَ مِحنَةٍ وَأَنتَ لَها يا شاعِرَ الشَرقِ فَاِدفَعِ
وَأَنتَ بِحَمدِ اللَهِ ما زِلتَ قادِراً عَلى النَفعِ فَاِستَنهِض بَيانَكَ وَاِنقَعِ
وَخُذ بِزِمامِ القَومِ وَاِنزِع بِأَهلِهِ إِلى المَجدِ وَالعَلياءِ أَكرَمَ مَنزِعِ
وَقِفنا عَلى النَهجِ القَويمِ فَإِنَّنا سَلَكنا طَريقاً لِلهُدى غَيرَ مَهيَعِ
مَلَأنا طِباقَ الأَرضِ وَجداً وَلَوعَةً بِهِندٍ وَدَعدٍ وَالرَبابِ وَبَوزَعِ
وَمَلَّت بَناتُ الشِعرِ مِنّا مَواقِفاً بِسِقطِ اللِوى وَالرَقمَتَينِ وَلَعلَعِ
وَأَقوامُنا في الشَرقِ قَد طالَ نَومُهُم وَما كانَ نَومُ الشِعرِ بِالمُتَوَقَّعِ
تَغَيَّرَتِ الدُنيا وَقَد كانَ أَهلُها يَرَونَ مُتونَ العيسِ أَليَنَ مَضجَعِ
وَكانَ بَريدُ العِلمِ عيراً وَأَينُقاً مَتى يُعيِها الإيجافُ في البيدِ تَظلَعِ
فَأَصبَحَ لا يَرضى البُخارَ مَطِيَّةً وَلا السِلكَ في تَيّارِهِ المُتَدَفِّعِ
وَقَد كانَ كُلَّ الأَمرِ تَصويبُ نَبلَةٍ فَأَصبَحَ بَعضُ الأَمرِ تَصويبُ مِدفَعِ
وَنَحنُ كَما غَنّى الأَوائِلُ لَم نَزَل نُغَنّي بِأَرماحٍ وَبيضٍ وَأَدرُعِ
عَرَفنا مَدى الشَيءِ القَديمِ فَهَل مَدىً لِشَيءٍ جَديدٍ حاضِرِ النَفعِ مُمتِعِ
لَدى كُلِّ شَعبٍ في الحَوادِثِ عُدَّةٌ وَعُدَّتُنا نَدبُ التُراثِ المُضَيَّعِ
فَيا ضَيعَةَ الأَقلامِ إِن لَم نَقُم بِها دِعامَةَ رُكنِ المَشرِقِ المُتَزَعزِعِ
أَتَمشي بِهِ شُمَّ الأُنوفِ عُداتُهُ وَرَبُّ الحِمى يَمشي بِأَنفٍ مُجَدَّعِ
عَزيزٌ عَلَيهِ يا بَني الشَرقِ أَن تُرى كَواكِبُهُ في أُفقِهِ غَيرَ طُلَّعِ
وَأَعلامُهُ مِن فَوقِهِ غَيرَ خُفَّقٍ وَأَقلامُهُ مِن تَحتِها غَيرَ شُرَّعِ
وَكَيفَ يُوَقّى الشَرَّ أَو يَبلُغُ المُنى عَلى ما نَرى مِن شَملِهِ المُتَصَدِّعِ
فَإِن كُنتَ قَوّالاً كَريماً مَقالُهُ فَقُل في سَبيلِ النيلِ وَالشَرقِ أَو دَعِ