عباس محمود العقاد

صغيرٌ يطلبُ الكِبرا .. وشيخٌ ود لو صَغُرا ، وخالٍ يشتهي عملا ً.. وذو عملٍ به ضَجِرا

ورب المال في تعب .. وفي تعب من افتقرا  ، وذو الأولاد مهمومٌ .. وطالبهم قد انفطرا
ومن فقد الجمال شكى.. وقد يشكو الذي بُهِرا ، ويشقى المرء منهزما .. ولا يرتاح منتصرا
ويبغي المجد في لهفٍ .. فإن يظفر به فترا ، شُكاة مالها حَكَمٌ .. سوى الخصمين إن حضرا  

فهل حاروا مع الأقدار .. أم هم حيروا القدرا .

 هكذا نظر الى الحياة  ، التى ترك فيها بصمات لا تنمحى فى مجالات الأدب والفكر والسياسة والفلسفة والنقد والشعر والروايه ، قلما يجود الزمان بمثلها  .

 ولد عباس محمود مصطفى العقاد في ٢٩ يونيه ١٨٨٩، واشتهر باسم عباس العقاد نسبة إلى جده الذي كان يعمل نساجًا في المحلة الكبرى، كان أبوه محمود العقاد من أسرة متواضعة في دمياط ونزح إلى أسوان حيث كان يعمل في مديريتها أمينًا للمحفوظات وهناك تزوج من والدة العقاد وهي كردية الأصل، حفيدة لأحد رجال الفرقة الكردية التي وجهها محمد علي  إلى السودان، وكان العقاد محبًا ومقدرًا لأمه ويقول أنه يشبهها في كثير من الصفات.

التحق العقاد بكُتاب الشيخ نصير في أسوان ١٨٩٦ وحفظ القرآن الكريم وعمره سبع سنوات.  كانت الظروف مهيأة كي يكون عباس العقاد أديبًا؛ فكان يحرص والده على قراءة كتب الفرائض والعبادات وبعض كتب التاريخ والسيرة النبوية، وكان يرى بين يديه مجلة "الأستاذ" التي كان يصدرها عبدا لله النديم خطيب الثورة العرابية ومعها أعداد قليلة من العروة الوثقى ونشرات الثورة التي كانت توزع في الخفاء، وكان يسمع أخبار في سير الكتاب الذين يصدرون هذه الصحف فكان يوجد في أسوان أستاذ جليل يدعي "أحمد الجداوي" وكان والده يصحبه دائمًا في زيارته وهو أحد فضلاء الأزهريين الذين لازموا دروس جمال الدين الأفغاني بالقاهرة.

تخرج عباس العقاد من المدرسة الابتدائية في أسوان ١٩٠٣ وهو في الرابعة عشرة من عمره. ولكن لم يكمل العقاد تعليمه بعد حصوله على الشهادة الابتدائية، بل عمل موظفًا في الحكومة بمدينة قنا ١٩٠٥ ثم نقل إلى الزقازيق ١٩٠٧ وعمل في القسم المالي بمديرية الشرقية.

عندما استقال من وظيفته بالزقازيق التحق بمدرسة الفنون والصنايع، ثم عمل موظفًا في مصلحة التلغراف لمدة ستة أشهر بعدها واستقال ليكون أول موظف يستقيل بمحض إرادته.

بعد أن استقال عباس العقاد؛ فكر في إصدار صحيفة أسبوعية باسم "رجع الصدى" ولكن حالت الإمكانيات المادية دون تحقيق حلمه فأخذ يعمل صحفي يكتب للصحافة من منازله وهو في أسوان.

بدأ العقاد عمله في الصحافة في صحيفة الدستور اليومية ١٩٠٧ مع المفكر"فريد وجدي"، وتحمل معه أعباء التحرير والترجمة والتصحيح من العدد الأول حتى العدد الأخير، ولم يمض عام على عمله في الصحافة حتي أصبح أول صحافي يجري حوارًا مع الزعيم سعد زغلول وكان ناظرًا للمعارف في ذلك الوقت.

في عام ١٩٠٩ تعرض العقاد لأزمة مالية فباع ما لديه من كتب وعاد إلى أسوان واشتراها منه صديقه وتلميذه "علي أدهم"، كما أغلقت صحيفة الدستور، وتوفي الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد، فأصيب العقاد بمرض صدري واتجه إلى أسوان وهناك جمع بعض مقالاته وعهد به إلي جورجي زيدان الذي قام بطبعه عام ١٩١٢ فكان أول كتاب يطبع للعقاد.

في عام١٩١١ عاد مرة أخرى من أسوان إلى القاهرة واشترك في تحرير مجلة "البيان"، وتعرف على عبد القادر المازني وتوثقت الصلة بينهما.

كان الأديب المويلحي، صاحب كتاب عيسي بن هشام، من المعجبين بكتابات العقاد، فأسند إليه وظيفة مساعد لكاتب المجلس الأعلى لديوان الأوقاف في عام ١٩١٢، ولكنه ضاق بها فتركها، واشترك في جريدة المؤيد التي كان يصدرها الشيخ علي يوسف، ولكن سرعان ما اصطدم بسياسة الجريدة التي كانت تؤيد الخديوي عباس حلمي الثاني، فتركها وعمل بالتدريس فترة مع الكاتب الكبير عبد القادر المازني.

في عامي ١٩١٣- ١٩١٤ كان يكتب هو والمازني وعبد الرحمن شكري فصولاً نقدية في مجلة "عكاظ"، وهي الفترة التي توطدت فيها العلاقة بين الثلاثة وتقاربت وجهات نظرهم في النقد الأدبي.  

- في عام ١٩١٥ انتقل العقاد للعمل في رقابة الصحف لمدة عام واحد.

- في عام ١٩١٦ كتب في صحيفة الأهالي وكانت تصدر في الإسكندرية. كما عمل بجريدة الأهرام بالإسكندرية.

في عام ١٩١٩ نجح العقاد بعد عمله في جريدة الأهرام، في كشف خداع وتدليس لجنة ملنر من خلال تلاعبها في ترجمة النصوص الخاصة بالحكم الدستوري لمصر وانضم إلى جماعة "اليد السوداء" المعارضة للحكم واشترك في كتابة منشوراتها.

اشتغل العقاد بالحركة الوطنية التي اشتعلت بعد ثورة ١٩١٩، وأصبح الكاتب الأول لحزب الوفد، المدافع عنه أمام خصومه من الأحزاب الأخرى، ودخل في معارك حامية مع منتقدي سعد زغلول زعيم الأمة، حول سياسة المفاوضات مع الإنجليز بعد الثورة.

عام ١٩٢١ أرهقه المرض فعاد إلى أسوان حيث نشر الجزء الثالث من ديوانه الذي هاجم فيه أمين الرافعي، واشترك مع المازني وعبد الرحمن شكري ١٩٢٢ في تأليف كتاب "الديوان في النقد والأدب" في نقد شعر شوقي في الوقت الذي كان فيه شوقي ملء الأسماع، كما أصدر كتاب "فصول"، وإلى جانب مقالاته في الأهرام عمل في صحيفة "المحروسة".

في عام ١٩٢٣  انتقل للعمل مع عبد القادر حمزة في صحيفة البلاغ، وارتبط اسمه بتلك الجريدة لسنوات طويلة، فذاع صيته وانتخب عضوًا لمجلس النواب، وفي ذات العام نشر كتابه "مطالعات في الكتب والحياة".

في عام ١٩٢٦ في موضوع كتاب "الشعر الجاهلي" دافع العقاد عن حرية التفكير والتعبير وظل الدكتور طه حسين يحفظ هذا الجميل للعقاد.

قاد العقاد حملة بقلمه ضد الرجعية وكان الملك فؤاد هو المقصود؛ فعندما أمر الملك فؤاد بتعديل دستور ١٩٢٣ وقف العقاد في مجلس النواب وكان عضوا فيه وقال كلمته المشهورة "إن الأمة على استعداد لسحق أكبر رأس في البلد تحاول أن تعبث بدستور الأمة"، فاستدعاه رئيس الحكومة وقتها حسين صدقي وقدمه للمحاكمة في ٢٢ ديسمبر ١٩٣٠ بتهمة العيب في الذات الملكية، وحكم عليه بالحبس تسعة أشهر، وفي السجن تعلم العقاد اللغة الفرنسية  وألف كتابا اسماه "عالم القيود والسدود"، وعندما خرج توجه إلى ضريح سعد زغلول وعاهده على أنه سيظل كما كان سعد يعهده فيه.

في عام ١٩٣٣ وقعت خلافات بين العقاد وحزب الوفد أدت إلى استقالته وانضم للحزب السعدي ليكتب في جريدته "الأساس"، وأصدر ديوانه "وحي الأربعين"، كما، صدر في عام ١٩٣٣ ديوان "هدية الكروانة".

في عام ١٩٣٤ وبعد رحيل أحمد شوقي بعامين بايعه طه حسين أميرًا للشعر.

ظل العقاد منتميًا لحزب الوفد حتى اصطدم بسياسته تحت زعامة مصطفى النحاس ١٩٣٥ فانسحب من العمل السياسي وبدأ نشاطه الصحفي يقل بالتدريج وينتقل إلى مجال التأليف، وإن كانت مساهماته بالمقالات لم تنقطع عن الصحف، فشارك في تحرير صحف روزاليوسف اليومية، والهلال، وأخبار اليوم، ومجلة الأزهر.

في عام ١٩٣٦ أصدر صحيفة "الضياء" ولكنها لم تستمر وكتب في صحيفة "الفتاة" مهاجمًا معاهدة ١٩٣٦، أصدر كتاب "سعد زغلول سيرة وتحية".

عام ١٩٣٧ أصدر ديوان "عابر سبيل" وانضم إلى عبد القادر حمزة في تحرير جريدة "البلاغ".

نشر عام ١٩٣٨ قصة "سارة"، وفي عام ١٩٣٩ كتاب "رخصة أبي العلاء المعري".

في عام ١٩٤٠ شن حربًا على هتلر والنازية وأصدر كتابين هما "هتلر في الميزان"، و"النازية والأديان"، وكشف من خلالهما حقيقة نظام هتلر الشمولي الذي تحول الألمان في ظله إلى عبيد مما كان سببًا في غضب هتلر الذي أمر بإعدام العقاد.

عين عضوًا في المجمع اللغوي في عام ١٩٤٠، وأصدر تلك السنة ديوان "أعاصير مغرب " ونشر كتاب "عبقرية محمد"، و"عبقرية عمر".

عندما وصلت قوات الألمان إلى حدود الإسكندرية نصح الكثيرون العقاد بمغادرة مصر فسافر إلى السودان.

في عام ١٩٤٤ عين عضوًا في مجلس الشيوخ وكان ينتمي إلى الحزب السعدي.

منذ عام ١٩٤٥ قدم العقاد فيضًا رائعًا من مؤلفاته الخالدة منها: "أبو الشهداء"، و"الحسين بن علي"، و"داعي السماء"، و"مؤذن الرسول بلال"، و"عبقرية خالد بن الوليد" التي كانت بداية سلسلة العبقريات، وقدم أيضًا خمسة كتب عن الديمقراطية.

في عام ١٩٤٦ نشر كتاب "أثر العرب في الحضارة الأوروبية".

عندما قامت ثورة يوليه ١٩٥٢ عاد العقاد إلى بيته وأخذ يكتب العبقريات الإسلامية أهمها: "عبقرية محمد"، و"عبقرية عمر"، و"عبقرية خالد"، و"عبقرية الصديق"، ولقد تأثر العقاد بفكر توماس كاريل الذي كان يؤمن بأن التاريخ الإنساني يدور في جوهره حول العباقرة والأفذاذ الذين يحركون دفة الحياة.

في عام ١٩٥٦ عين عضوًا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ومقررًا للجنة الشعر، وفي نفس العام أصدر مؤلفاته: "الشيوعية والإسلام"، و"الصهيونية العالمية"، و"مقدمة لتقرير خروشوف أمام المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي".

في عام ١٩٥٨ نشر ديوانًا شعريًا يضم مختارات من روائعه، ونشر كتابيه "القرن العشرين"، و"الحضارة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين".

في عام ١٩٦٠ حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب.

في عام ١٩٦٢ قدم "مجمعات في اللغة والأدب"، و"رجال عرفتهم".

في ١٢ فبراير ١٩٦٤ حرص العقاد أن يستمع لأغنية "أنت عمري" من غناء أم كلثوم    وتلحين محمد عبد الوهاب، وكتب انطباعاته عنها في أخبار اليوم التي ظل يعمل بها حتى وفاته.

 ترك العقاد للثقافة العربية أحد عشر ديوانًا شعريًا وأحد عشر كتابًا في الإسلاميات وثلاثة وتسعين كتابًا في الفكر والسياسة والأدب والشخصيات التاريخية والإسلامية، كما اهتم بشئون المرأة وخصص لدراستها أربعة كتب.

تبوأ العقاد مكانة عالية في النهضة الأدبية الحديثة، فالعقاد شاعر، وكاتب سياسي وتاريخي، وناقد، ومفكر كبير، قالوا عنه الكثير، فوصفه المازني بأنه "بحر بلا انتهاء"، ووصفه عبد الرحمن بدوي بأنه "فيلسوف"، أطلق عليه "صاحب العبقريات"، و"صاحب المدرسة الشعرية" التي يسمونها مدرسة الديوان النقدية مع صاحبيه عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري.   

والمتتبع لتاريخ العقاد يكاد يعجز عن ملاحقة المحطات العديدة فى حياته  ، من عمله مع عبد القادر حمزة في صحيفة البلاغ ، ثم إنتخابه عضوًا فى مجلس النواب ، أو حبسه فى عام 1930 بتهمة العيب في الذات الملكية، لكتاباته الجريئة  ، عين عضوًا في المجمع اللغوي في عام ١٩٤٠،  في عام ١٩٤٤ عين عضوًا في مجلس الشيوخ وكان ينتمي إلى الحزب السعدي .

وتحين ساعة النهاية، في 12 مارس عام 1964 م ،  برحيل العقاد عن عالمنا ، بعد أن ترك ثروة أدبية ضخمة لأجيالنا القادمة، وبعد أن دافع بقلمه وفكره عن الإسلام والمسلمين.

توفى العقاد ودفن بأسوان و أصبحت مقبرته مزارًا وقبل وفاته كتب:

لتحملوني صامتين إلى الذي

فإني أخاف اللحد أن يتهيبا

أنت شامخ حتي في وفاتك

يا هرقل يرحمك الله و يرحمنا

 

 

Read 5732 times