التحق بجامعة فؤاد الأول ، في قسم التاريخ ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947 ، وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركية. وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليركية عمل مدرساً للتاريخ ، حضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وكان تلميذاً وأستاذاُ في نفس الكلية في نفس الوقت .
كان يحب الكتابة وخاصة كتابة القصائد الشعرية ولقد كان ولعدة سنوات محررا ثم رئيسا للتحرير في مجلة مدارس الآحد وفي الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا في علم الآثار القديمة ، وكان من الأشخاص النشيطين في الكنيسة وكان خادما في مدارس الآحد. ثم ضباطاً برتبة ملازم بالجيش.
كان نظير جيد (اسمه الحقيقى) كان خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة وطالباً بمدارس الأحد ثم خادماً بكنيسة الانبا انطونيوس بشبرا في منتصف الأربعينات ، رسم راهباً باسم (انطونيوس السرياني) في يوم السبت 18 يوليو 1954، وقد قال أنه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء. ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالي 7 أميال عن مبنى الدير مكرسا فيها كل وقته للتأمل والصلاة ، وبعد سنة من رهبنته تمت سيامته قساً.
أمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره ، عمل سكرتيراً خاصاً للبابا كيرلس السادس في عام 1959 ، رُسِمَ أسقفاً للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الاكليريكية، وذلك في 30 سبتمبر 1962.
باباويته
وعندما مات البابا كيرلس في الثلاثاء 9 مارس 1971 أجريت انتخابات البابا الجديد في الأربعاء 13 أكتوبر. ثم جاء حفل تتويج البابا (شنودة) للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 14 نوفمبر 1971 وبذلك أصبح البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة ، في عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقف وأسقف عام؛ بما في ذلك أول أسقف للشباب، أكثر من 400 كاهن وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر ، أولى اهتماما خاصا لخدمة المرأة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
كان يحاول دائما قضاء ثلاثة أيام أسبوعيا في الدير، وحبه لحياة الرهبنة أدى إلى انتعاشها في الكنيسة القبطية حيث تم في عهده سيامة المئات من الرهبان والراهبات. وكان أول بطريرك يقوم بإنشاء العديد من الأديرة القبطية خارج جمهورية مصر العربية وأعاد تعمير عدد كبير من الأديرة التي إندثرت ، في عهده زادت الابارشيات كما تم إنشاء عدد كبير من الكنائس سواء داخل أو خارج جمهورية مصر.
في عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقفاً؛ بما في ذلك أول أسقف للشباب، ومئات من الكهنة وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرة والإسكندرية وكنائس المهجر ، في عهده زادت إلايبارشيات كما تم إنشاء عدد كبير من الكنائس سواء داخل أو خارج جمهورية مصر العربية.
هو أول بابا منذ القرن الخامس يختار من أساتذة الكلية الإكليركية.
هو أول بابا يستمر بعد سيامته في إلقاء الدروس بالإكليركية وإدارتها.
هو أول بابا يؤسس 7 فروع للإكليركية بداخل البلاد وفي بلاد المهجر.
هو أول بابا يرأس ويؤسس مجلة أسبوعية ويكون عضوا بنقابة الصحفين
هو أول بابا يواظب على إلقاء 3 محاضرات أسبوعيا بالقاهرة والإسكندرية بخلاف اجتماعاته الشهرية مع الخدام والكهنة والجمعيات.
هو أول بابا منذ 15 قرناً يزور كرسي روما وكرسي القسطنطينية.
هو أول بابا يؤسس كنائس قبطية أرثوذكسية في كينيا وزاميبيا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا.
هو أول بابا يقوم بزيارات إلى بلاد أفريقية لم يزورها أحد الباباوات من قبل مثل زائير والكونجو وغيرها.
هو أول بابا يقوم برسامة كهنة أفارقة لرعاية الكنائس في بلادهم.
هو أول بابا يقوم برسامة أسافقة بريطانيين وفرنسيين لرعاية رعاياهم المنضمين إلى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية.
وهو أول بابا يكون مجمع مقدس للكنيسة الأرثوذكسية في اريتريا.
وهو أول بابا يصير أحد رؤساء مجلس الكنائس العالمي.
وهو أول بابا يقوم برحلات رعوية لزيارة كنائسنا وافتقاد الأقباط في أمريكا وأستراليا وأوروبا.
وهو أول بابا يؤسس أديره في أمريكا وأستراليا وألمانيا وإيطاليا.
وهو أول بابا يؤسس فروعاً للكلية الإكليريكية في أمريكا وأستراليا.
وهو أول بابا يؤسس أسقفيات في إنجلترا وأمريكا ويرسم لها اساقفة.
وهو أول بابا يؤسس معهدا للرعاية ومعهدا للكتاب المقدس.
وهو أول بابا يحصل على أربع دكتوراه في العلوم اللاهوتية والعلوم الإنسانية.
وهو أول بابا قام بتقديس الميرون المقدس 4 مرات.
وهو أول بابا يصل عدد أعضاء المجمع المقدس في عهده إلى 72 عضوا وقام بسيامه أكثر من 70 أسقفا بنفسه.
وهو أول بابا يضع لائحة للمجمع المقدس عام 1085.
وهو أول بابا يرسم أساقفة مساعدين لأساقفة الأبيارشيات.
وهو أول بابا يعيد طقس رسامة الشماسات ويضع طقس خاص لإقامة رئيسات الأديرة.
وهو أول بابا يرسم أسقفا عاما للشباب وهو صاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا موسى.
وهو أول بابا يوقع اتفاقيات مشتركة مع الكاثوليك ومع الأرثوذكس ومع الكنيسة الإنجليكانية وغيرها من الكنائس.
وهو أول بابا ينقل مقر الكرسي المرقسي إلى دير الأنبا رويس ويبنى فيه مقر بابوي.
وهو أول بابا يفتح باب مجلة الكنيسة (مجلة الكرازة) للمرآة ويسمح للباحثة نبيلة ميخائيل يوسف منذ سنة 1975 بكتابة باب روائع العلم وإلى الوقت الحاضر وهي نفسها أول امرأة عضوة في المجلس الملي العام منذ عام 1989 وإلى الآن.
وهو أول بابا يقيم حفلات إفطار رمضانية لكبار المسئولين بالدولة منذ عام 1986 والى الآن بالمقر البابوي وتبعته في ذلك معظم الإيبارشيات.
وهو أول بابا يحضر حفلات إفطار رمضانية تقيمها وزارة الأوقاف ويشارك بنفسه في جميع المؤتمرات والأحداث الهامة بالدولة.
وهو أول بابا يقيم في قلايته بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون نصف الأسبوع والنصف الأخر يقضيه بالمقر البابوي.
وهو أول بابا أسقف عام يجلس على الكرسي المرقسي بعد القديس أنيانوس البابا الثاني بعد القديس مارمرقس الرسول وكان القديس أنيانوس أسقف عام رسمه القديس مارمرقس لمساعدته في تدبير أمور الكنيسة أثناء أسفاره.
خلافه مع السادات
طوال سنوات الثورة الأولى لم يحدث احتكاك واضح بينها وبين الكنيسة، بل لعل الأقباط كان وحدهم الذين نجوا من حفلات الاعتقال التي دشنتها الثورة طوال سنوات الخمسينيات والستينيات وطالت كل التيارات والاتجاهات بما فيها الشيوعيون والإخوان المسلمين، ولم يكن الأمر هنا فيه شيء من صفقة بين النظام والأقباط، وإنما جرت الأمور على طبيعتها فلم يكن للأقباط -كتجمع ديني- أي طموح سياسي بعد قيام ثورة يوليو على عكس الحال مع باقي التيارات الأخرى التي اصطدمت رغباتها مع طموح رجال الثورة، لكن الأمر اختلف في السبعينيات بعد أن اعتلى "السادات" وخلفه البابا "شنودة" قمة الرئاسة والكنيسة على الترتيب.
الاصطدام لم يأتِ مبكرا، وبخاصة أن السيد الرئيس "السادات" لم يكن في حاجة لتوسيع رقعة الأعداء الكثر أصلا، وبعد أن أزاح ما يعرف بـ"مراكز القوى الناصرية" كان لابد وأن يلملم ولا يفرق لأنه مقدم على حرب حتمية مفروضة عليه لاسترداد الأرض، وبعد نصر أكتوبر عام 1973 بات "السادات" أكثر ثقة في نفسه وأكثر انفرادا بالقرار فكان قراره الأخطر بإطلاق يد الجماعات والتيار الإسلامي -دون قيد- في الجامعات والشارع السياسي المصري لمحاربة التيار اليساري والشيوعي فكان أن تحقق له هذا بالفعل.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد توثيق دقيق وحصر واضح لأسباب اشتعال فتيل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين وبخاصة في صعيد مصر .. إلا أن النار قد التهبت وكان لابد من أن يكون للبابا "شنودة" رأيا فيما حدث.
قبل هذا كان البابا "شنودة" قد سجل رفضه لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وأكد ذلك بأن قرر عدم الذهاب مع الرئيس "السادات" في زيارته إلى إسرائيل عام 1977، هذا بطبيعة الحال صنع حالة عدائية من السادات تجاه البابا لأنه لم يتصور أن يخالفه أحد في قرارته بعد الحرب فما بالك إذا كان هذا هو القيادة الكبرى لكل الأرثوذكس الذين يشكلون أغلبية المسيحيين في مصر؟!
بات الصدام وشيكا.. وفي ظل اتهامات متزايدة من الأقباط بأن الدولة تغذي العنف تجاههم من قبل الجماعات الإسلامية، وعندما قام الرئيس "السادات" بزيارة إلى أمريكا كان الصدام.. إذ نظم الأقباط في أمريكا مظاهرة مناهضة لـ"السادات" رفعوا فيها لافتات تصف ما يحدث للأقباط في مصر بأنه اضطهاد وهو بالقطع ما أضر بصورة "السادات" كثيرا فطلب من معاونيه أن يتصلوا بالبابا ليرسل من يوقف هذه المظاهرات، وعندما حدث هذا فعلا متأخرا بعض الشيء ظن "السادات" بأن البابا "شنودة" يتحداه، فكانت أن أصدرت أجهزة الأمن قرارا للبابا بأن يتوقف عن إلقاء درسه الأسبوعي, الأمر الذي رفضه البابا ثم قرر تصعيد الأمر بأن أصدر قرارا بدوره بعدم الاحتفال بالعيد في الكنيسة وعدم استقبال المسئولين الرسميين الذين يوفدون من قبل الدولة عادة للتهنئة..
بل وصل الأمر إلى ذروته عندما كتب في رسالته التي طافت بكل الكنائس قبيل الاحتفال بالعيد أن هذه القرارات جاءت "احتجاجا على اضطهاد الأقباط في مصر"، وكانت هذه المرة الوحيدة التي يقر فيه البابا علانية بوجود اضطهاد للأقباط في مصر ولم يفعلها بعد ذلك مطلقا.. أصبحت القطيعة بين "السادات" والبابا "شنودة" هي عنوان المشهد، ولذا كان من المنطقي أن يطول العقاب البابا في أيام "السادات" الأخيرة عندما أصدر في سبتمبر عام 1981 قراره بالتحفظ على 1531 من الشخصيات العامة المعارضة، لم يكن مصير البابا الاعتقال وإنما كان تحديد الإقامة في الدير بوادي النطرون، ولعل "السادات" فعل ذلك درءا لرد فعل مضاد من قبل الأقباط.
حكم مبارك
تقلد حسني مبارك مقاليد الرئاسة في 14 أكتوبر 1981 حيث قام في 1985 بالإفراج عن المعتقليين الذين قام سلفه السادات باعتقالهم وقابل بعضهم وكان على رأس هذا البعض "البابا شنودة"، ومن هذا اللقاء بدا واضحا أن سياسة الرئيس "مبارك" تتجنب الصدام بأي شكل من الأشكال مع الأقباط خاصة وبوصفه كان مقربا من الرئيس "السادات" بحكم منصبه كنائب له.
طوال فترة حكم الرئيس مبارك لم يخرج من البابا لفظ واحد ضد النظام أو الدولة ولا حتى ضد أي من ممثليه كوزراء أو مسئولين حكوميين، رغم أن فترة التسعينيات وبدايات الألفية الثانية شهدت العديد من الحوادث التي تصنف على أنها الطائفية بين المسلمين والمسيحيين الملتهبة متنوعة ما بين الاختلاف على بناء كنيسة أو خلافات شخصية عادية ثم طالت حتى الحكي عن التنصير أو الإجبار على الإسلام.. في كل مرة اختار البابا الصمت أو الاعتراض بالاعتزال في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون.
البابا وتعداد المسيحيين في مصر
صرح البابا شنودة في أكثر من لقاء تليفزيوني آخرهم كان على قناة أو تي في يوم 27 أكتوبر 2008 أن تعداد المسيحيين في مصر يبلغ أكثر من 12 مليون وذلك وفقًا لكشوفات الافتقاد الخاصة بالكنيسة وحوالي 2 مليون في دول المهجر.
فيلم البابا شنودة... صورة وطن في سيرة رجل
الفيلم أنتجته قناة الجزيرة الوثائقية وأخرجه المخرج المصري عبد الرحمان عادل. وتناول مسيرة حياة الأنبا شنودة بابا الأقباط في مصر ورمز من رموز المسيحية الشرقية في العصر الحديث . والاهتمام بشخصية البابا شنودة واسمه نظير جيد لا يعود فقط إلى وزنه الديني في مصر وإنما يعود إلى أن مسيرته التعليمية والنضالية والسياسية كانت مسيرة جديرة بالتتبع والقراءة.
بثت الجزيرة الوثائقية الجزء الأول من هذا الفيلم يوم 10 يناير 2010 أي بعد أربعة أيام من الاحتفال بالعام الجديد لدى الأقباط. وأيضا بعد أربعة أيام عن حادثة نجع حمادي التي سقط فيها عدد من القتلى المسيحيين المحتفلين برصاص أحد مسلمين .
لم تكن الجزيرة الوثائقية عندما بدأت في إنتاج الفيلم قبل مدة ولا مخرج الفيلم يعلمان ما سيحدث في نجع حمادي. ولكن الفيلم يعلم حوادث مضت شبيهة بما حدث هذه السنة. فقد تضمن الفيلم فيما تضمن قراءة في أحداث مضت تذكر بما حدث ليلة 6 يناير في الصعيد. أي أن الفيلم بتتبعه لمسيرة البابا شنودة في الحياة والدين والسياسة حاول أن يلمس بعض مواطن الخلل والخطر فيما يعرف في مصر بالمسألة القبطية والعنف الطائفي..
تاريخ الرجل هو تاريخ لجذور المشكل والحل لهذه المسألة. لذلك جاء الفيلم في الوقت المناسب. ليستفيد أبناء الوطن الواحد من التاريخ المتأني والموضوعي لتاريخ الصراع الديني الحديث في مصر.
الديني والسياسي في مصر من خلال شخصية البابا..
لقد حاول هذا الفيلم أن يقدم قراءة علمية للحراك الديني والسياسي والاجتماعية في مصر في القرن العشرين وقد توفق إلى حد بعيد في ربط المسيرة الشخصية للبابا شنودة بمسار التاريخ الاجتماعي والسياسي. ويبدو ذلك على الأقل في ثلاثة محطات أساسية.
أولا في بداية القرن العشرين تبدأ الإصلاح الديني المسيحي مع كيرولس الرابع وحبيب جرجس وظهور مدارس الأحد فتزامن ذلك مع الإصلاح الديني الإسلامي مع الأفغاني وعبده ومجلة العروة الوثقى. كان التياران يتحركان في مجال الفكر والقراءة ونقد الموروث الديني في الضفتين فمثلما أراد حبيب جرجس إصلاح الكنيسة بالعلم والفكر أراد عبده تجديد الفكر الإسلامي بالنظر العقلي.
هذه الحركة الفكرية أنشأت شبابا مثل نظير جيد الذي خير أن يدرس التاريخ رغم حبه للأدب وكتابته للشعر. فبدأ نقده للكنيسة بقراءة تاريخ إخفاقاتها ونجاحاتها. وكان عضوا بارزا في جماعة مدارس الأحد ومؤسسا مهما لمجلتهم التي تحمل نفس الاسم. في كل ذلك لم يخرج عن مجال الإصلاح الفكري. لقد كان الشاب نظير نتاج حراك فكري وعلمي ونتاجا مبدئيا لعصر النهضة العربية.
ثانيا تناول الفيلم حقيقة تاريخية تنطبق على المجتمعات العربية بشكل خاص، وهي أن الديني والسياسي لا يجتمعان إلا لمصلحة أو لفتنة.. أي لاغتنام المصالح أو إدارة الفتن أو إخمادها. لأن نظام المجتمع كل متكامل إذا سقط الوعي السياسي يتبعه الديني والثقافي وحتى الجمالي وإذا تقهقر الفكر فهو علامة على سقوط ما في منطقة ما من المجتمع.
ففي الفترة التي كانت فيها الانقلابات السياسية تكتسب شرعية وطنية أمام فساد البنية السياسية التقليدية حيث تراجع الوزن السياسي للملكية، صار الانقلاب وسيلة فعالة في أكثر من ساحة. للإطاحة بالملك فاروق من العرش السياسي والإطاحة بالبابا يوساب من العرش الكنسي إذ اعتبر من بقايا الملكية وأذيالها. في هذه المرحلة قاد الانقلابات في الجانبين الشباب الجديد الذي يتوق إلى الإصلاح حتى ولو بالانقلاب. أما على صعيد الواقع السياسي فإن مرحلة ما قبل الثورة شهدت ظهور الإخوان المسلمين قابلتها حركة الأمة القبطية التي قادها إبراهيم فهمي هلال. وازدهار حركة مدارس الأحد واشتداد عودها النقدي للكنيسة وكان صوتها الصداح نظير جيد.
نظير جيد يدخل حياة الرهبنة ويصبح اسمه أنطونيوس السرياني
ثالثا مرحلة ما بعد هزيمة 67 وفشل المشروع الوطني والقومي المصري وصعود السادات إلى سدة الحكم تزامن مع صعود نظير جيد إلى سدة البابوية. فابتدأت سنوات السبعينات المهمة في تاريخ مصر المعاصر بصعود زعيمين مختلفين عما مضى: السادات والباب شنودة. كلاهما كان من شباب الثورة والتغيير السياسي والديني.
في هذه السنوات ستسير المصلحة والفتنة جنبا إلى جنب في الطريق الذي تقاسمته السلطة والدين بامتياز. انفتحت السلطة ودخلت عصر الانفتاح الاقتصادي. وانفتحت الكنيسة على شباب جديد هو شباب مدارس الأحد وقضت على الحرس القديم. وبدأت تكتسب سلطة فطالبت ببناء 25 كنيسة في السنة فأعطاها السادات شفاهة 50 وذلك بعد أحداث الخنكة سنة 1972
في الضفة الأخرى من المشهد انفتحت ألسنة الخطباء يوم الجمعة وخرج الإسلاميون من سجونهم وانطلقوا إلى الشارع يطالبون بتطبيق الشريعة ورفعوا المصاحف معلنين أن الإسلام هو الحل. مما يهدد في الصميم المسيحيين كقوة سياسية ودينية في المجتمع..
تصادمت مصالح الانفتاح وتعكرت أحوال الوطن وساءت أوضاع الناس فانفجر الوضع يومي 18 و19 يناير سنة 1977 احتجاجا على ارتفاع الأسعار. هنا اتفقت السلطتان السياسية والدينية على إخماد الفتنة لحسم الصراع لصالح السلطة. فأدان كل من الأزهر والكنيسة المتظاهرين ودعموا قمع السلطة لهم. ربما لأن الشارع لم يستأذن السلطتين وتحرك لوحده. فارادت السلطتان معاقبته بمباركة تسليمه للدولة بحجة إخماد الفتنة
لم يدم الاتفاق على إخماد الفتنة طويلا وأصبح رهان الصراع بين الإسلاميين والمسيحيين هو المجتمع، علاوة على المشاركة في السلطة والمنصب والمصلحة السياسية. أي أصبح الأمر متعلقا بمن يمتلك الشارع والفضاءات العامة. فأحرقت الأماكن المقدسة في إطار مرحلة جديدة من الصراع الغريب على المجتمع. وهده بعض التفاصيل التي توسع فيها الفيلم :
عقد المسيحيون في يناير 1977 أكبر مؤتمر مسيحي طالبوا فيه بحقوقهم رد عليهم الأزهر في يوليو من نفس السنة بمؤتمر طالب فيه بتطبيق الشريعة لأن تطبيقها لا يحتاج مشورة احد على حسب اعتقادهم.
أعلن البابا الصوم لمدة 5 أيام احتجاجا على هذا المؤتمر فأصبح الطقس الديني وسيلة من وسائل الاحتجاج السياسي. في غطار صراع اختلطت في الأوراق والوسائل والرهانات.
تواصلت في بداية الثمانينات حوادث العنف الديني حيث أحرقت كنائس يوم 6 يناير 1980 أي في رأس السنة القبطية. ثم جاءت حادثة الزاوية الحمراء في يونيو 1981 حيث لأول مرة يطلق قبطي النار على مسلمين فهب المسلمون يردون الفعل.
سبتمبر 1981 يعلن السادات عزل البابا شنودة وتكليف لجنة لإدارة شؤون الكنيسة. متهما إياه بالسعي إلى استقلال الكنيسة. فعاد البابا إلى حياة الرهبنة واعتكف في دير الأنبا بيشوي ولم يخرج منه إلا سنة 1985.
خلال هذه المحطات الثلاث اجتهد مخرج الفيلم في الإلمام بها ومحاورة أغلب الأطراف التي لها علاقة بالموضوع من مسيحيين ومسلمين ومشاركين في السلطة ومؤرخين وباحثين وسياسيين معاصرين. ويكاد يتفق الجميع على أن السياسي استعمل الدين لتبرير سلطته ورجل الدين استعمل السياسة كغطاء لعقائده.
يناير 2010... بعد قرن فقط من النهضة...
بعد ثلاثين سنة يتكرر نفس الحادث الذي جد في 6 يناير 1980 حيث أحرقت كنائس. حينها قرر الباب إلغاء الاحتفال بيوم القيامة تعبيرا عن الحزن والاحتجاج. فهل هذا دليل على أن النخبة السياسية والدينية لم تستوعب درس الماضي ولم تفكر بجدية في جذور العنف الديني.
أوضح الفيلم أن الباب أصبح اقل انفعالا مما مضى حينما يصله نبأ احتراق كنيسة أو موت قبطي على يد مسلم. من ناحيته أصبح الأزهر يندد صراحة بإحراق الكنائس وانتهاك حقوق الأقباط. وصار الخطاب السياسي للإخوان المسلمين يتعرض للمسالة القبطية ووصل إلى حد ترشيح بعض الأقباط في دوائر الإخوان في الانتخابات البرلمانية.
البابا شنودة وشيخ الأزهر
هل هذا علامة نضج أم علامة إتقان للعبة السياسية وإدارة الصراع...؟
السلطة بقيت هي السلطة تلاعب جميع الأطراف في مساحات السياسة التي تمتلكها أصلا وفي ساحات الدين الذي لا تدعي أنها تمتلكه ولكنها تريد أن تشتريه. من جانبهم يلاعب الإسلاميون والمسيحيون السلطة في مجالهم الحيوي وهو الدين فيعطونها الشرعية التي تبحث عنها. أما ساحات السياسة فلا يدعون أنهم يمتلكونها ولكنهم يريدون أن يضعون حدودا بين المقدس والمدنس في السياسة. لذلك حضروا في مجلس السادات بشخصياتهم الاعتبارية المقدسة وباركوا قمع السادات لمعتقلي أحداث 77 ولكن لما انفرط العقد معه واغتيل سنة 1981 اعتبر كل من المسيحيين والإسلاميين الأمر عقابا إلهيا واضعين الرجل في دائرة المدنس.
أما أوراق اللعبة فهي كثيرة وعلى رأسها الجمهور لأن كلا الطرفين يعرف كيف يبدأ العنف ولكن كلاهما لا يعرف أين ينتهي.
لماذا أصبح الجمهور في مصر أكثر إسلاما وأكثر مسيحية من ذي قبل ؟
صراع أرتودوكسيات دينية كان يمكن أن يحسم في مدرسة الفكر والحوار والجدل. والبابا شنودة خريج هذه المدرسة عوض أن يحسم في القرى والشوارع والكنائس والمساجد.
بعد مائة سنة من النهضة العربية التي افتتحها المفكرون المصريون ماذا بقي من النهضة ؟
ذلك هو السؤال الحضاري الكبير الذي يمكن ان نستنتجه من الفيلم. وهنا تنتهي وظيفة المخرج لتبدأ وظيفة المثقف بشكل عام والمفكرين في الجانبين بشكل خاص. فالبابا شنودة كما أسلفنا جاء من مدرسة النقاش الفكري والإصلاح الديني. والإسلام السياسي كان سليل الإصلاح الديني أيضا.. كلاهما كانا سليلي النهضة ولكن بعد مائة سنة انتهى كلاهما إلى أفكار قاومتها النهضة كالعنف الديني وعدم التسامح وخضوع الدين للسلطان...
يبدو أننا في حاجة على نهضة جديدة تستوعب شروط لحظتها ولكنها تستلهم مبادئ النهضة الأولى ولا يتم ذلك إلا عندما تصبح النهضة مطلبا اجتماعيا وليست مطلبا نخبويا.. ولنا في الشعوب والتاريخ المثل والعبرة.
وفاته
أعلن الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس اليوم السبت، وفاة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن عمر يناهز 89 عاما . وأضاف في بيان رسمى :
( المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية يودع لأحضان القديسين معلم الأجيال قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، نياحا لروحه والعزاء للجميع )
ونعت الحكومة والاحزاب السياسية البابا وقال رئيس الوزرءا المصري كمال الجنزوري في رسالة نشرت على الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء على فيسبوك "أقدم خالص التعازي للأخوة الأقباط بالداخل والخارج." و أصدر الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، بيانا رسميا للعزاء في وفاة البابا شنودة.
وقال بديع بيانه "باسمي وباسم الإخوان المسلمين نتقدم إلى إخواننا في الوطن والإنسانية أقباط مصر فردًا فردًا بأخلص التعازي القلبية والمشاركة الوجدانية في مصابهم الأليم ومصاب الوطن بفقدان غبطة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وأن يمكنهم من تجاوز هذه المحنة الشديدة".
كما أعرب حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن الاخوان المسلمين، عن تعازيه لأقباط مصر في وفاة البابا شنودة. وقال الدكتور محمد مرسي رئيس الحزب "أتقدم بخالص التعازي لإخواني وأخوتي أقباط مصر في وفاة البابا شنودة الثالث"، حسب ما جاء على الصفحة الرسمية لحزب الحرية والعدالة على موقع فيسبوك. كما تقدمت جامعة الأزهر بالعزاء إلى شعب مصر في وفاة البابا شنودة الثالث. وقال أسامة العبد رئيس الجامعة "نعزى أنفسنا، ونعزى شعب مصر مسلمين وأقباطا فى وفاة قداسته، الذى كان مثالا للسلام والتوفيق بين المسيحيين والمسلمين".
وقال حزب الوفد انه بشاطر الكنيسة المصرية " في مصابها الجلل والذي هو مصاب المصرين جميعا, ووصف الوفد البابا الراحل بانه كان زعيما "طالما دافع عن حقوقه وزعيما وطنيا انحاز دائما الى مصر وقضاياها الوطنية وحكيما كانت حكمته صمام امن فى كثير من الفتن".
خلافة البابا
كان البابا شنوده أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا، وهو رابع أسقف أو مطران يصل لمنصب البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر . وبرزت عدة اسماء لخلافة البابا اثر تدهور صحته وأبرزها ثلاثة: الأنبا بيشوي اسقف دمياط وسكرتير المجمع المقدس ورئيس لجنة محاكمة الكهنة وهو يبلغ من العمر 64 عاماً وهناك الأنبا موسى وهو أسقف الشباب والثالث هو الأنبا بيسنتي أسقف حلوان والمعصرة ويبلغ من العمر 63 عاماً.