مقدمة السيرة النبوية لإبن اسحق

1 ـ حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس بن بكير قال: كل شيء من حديث ابن إسحق مسند، فهو أملاه علي، أو قرأه علي، أو حدثني به، وما لم يكن مسنداً، فهو قراءة؛ قرئ على ابن إسحق. حدثنا أحمد قال: نا يونس، عن محمد بن إسحق، قال بينا عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف نائماً في الحجر، عند الكعبة، أتى، فأمر بحفر زمزم.

 ويقال إنها لم تزل دفيناً بعد ولاية بني إسماعيل الأكبر وجرهم، حتى أمر بها عبد المطلب، فخرج عبد المطلب إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، إني قد أمرت أن أحفر زمزم، فقالوا له: أبين لك أين هي؟ فقال: لا، قالوا: فارجع إلى مضجعك الذي أريت فيه ما أريت، فإن كان حقاً من الله عز وجل بين لك، وإن كان من الشيطان لم يعد إليك، فرجع فنام في مضجعه، فأتى فقيل له : احفر زمزم، إنك إن حفرتها  لم تندم، هي تراث من أبيك الأقدم، لا تترف فيها ناذر لمنعم، فهي ميراث وعقد محكم، ليست كبعض ما قد يقسم، ينذر فيها ناذر لمنعم، فهي ميراث وعقد محكم، ليست كبعض ما قد يعلم، وهي بين الفرث والدم.

فقال حين قيل له ذلك: أين هي؟ فقيل له: عند قرية النمل، حيث ينقر الغراب غداً، فغدا عبد المطلب ومعه الحارث ابنه، ليس له ولد غيره، فوجد قرية النمل، ووجد الغراب ينقر عندها، بين الوثنين: إساف ونائلة، اللذين كانت قريش تنحر عندهما.

حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله ابن أبي بكر بن حزم، عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة رجل وامرأة من جرهم زنيا في الكعبة، فمسخا حجرين.

حدثنا أحمد، نا يونس عن ابن إسحق قال: فجاء عبد المطلب بالمعول، فقام ليحفر، فقالت له قريش حين رأوا جده: والله لا ندعك تحفر بين صنمينا هذين اللذين ننحر عندهما، فقال عبد المطلب لابنه الحارث:

دعني - أو ذد عني - حتى أحفر، فوالله لأمضين لما أمرت به، فلما رأوا منه الجد، خلوا بينه وبين الجفر، فكفوا عنه، فلم يمكث إلا قليلاً حتى بدا له الطوي، فكبر، فعرفت قريش أنه قد صدق وأدرك حاجته، فقاموا إليه، فقالوا: إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقاً، فأشركنا معك فيها ، قال: ما أنا بفاعل، وإن هذا لأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم، قالوا: فأنصفنا، فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيهان قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أخاصمكم إليه، فقالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم، قال: نعم، وكانت بأشرف الشام.

حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: سمعت علي بن أبي طالب، وهو يحدث حديث زمزم فقال: بينا عبد المطلب نائم في الحجر، أتى، فقيل له: احفر برة، فقال: وما برة؟ ثم ذهب عنه، حتى

إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك، فأتى، فقيل له: احفر المضنونة، فقال: وما المضنونة؟ ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغد عاد فنام في مضجعه، فأتى، فقيل له: احفر طيبة، فقال: وما طيبة؟ ثم ذهب عنه، فلما كان الغد عاد لمضجعه فنام فيه، فأتى فقيل له: احفر زمزم، فقال: وما زمزم؟ فقال: لا تترف ولا تذم، ثم نعت له موضعها ، فقام فحفر حيث نعت، فقالت له قريش: ما هذا يا عبد المطلب؟ فقال: أمرت بحفر زمزم، فلما كشف عنه، وأبصروا الطوي، قالوا: يا عبد المطلب إن لنا لحقاً فيها معك، إنها لبئر أبينا إسماعيل، فقال: ما هي لكم، لقد خصصت لها دونكم، قالوا: فحكمنا، فقال: نعم، فقالوا: بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم، وكانت بأشرف الشام ، فركب عبد المطلب في نفر من بني أبيه، وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر، وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الشام والحجاز، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد، فنى ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا الهلكة، فاستسقوا القوم، قالوا ما نستطيع أن نسقيكم، وإنا لنخاف مثل الذي أصابكم، فقال عبد المطلب لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته بما بقي من قوته، فكلما مات رجل منكم، دفعه أصحابه في حفرته، حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه، فضيعه رجل أهون من ضيعة جميعكم، ففعلوا.

ثم قال: والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت، لا نضرب في الأرض ونبتغي، عجز. فقال لأصحابه: ارتحلوا، فارتحلوا، وارتحل، فلما جلس على ناقته، وانبعث به، انفجرت عين من تحت خفها بماء عذب، فأناخ وأناخ أصحابه، فشربوا، واستقوا وسقوا، ثم دعوا أصحابهم: هلموا إلى الماء، فقد سقانا الله عز وجل، فجاؤوا فاستقوا وسقوا، ثم قالوا: يا عبد المطل، قد والله قضى لك، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة، لهو الذي سقاك زمزم، انطلق، فهي لك، فما نحن بمخاصميك.

حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق، قال: فانصرفوا ومضى عبد المطلب فحفر، فلما تمادى به الحفر، وجد غزالين من ذهب، وهما الغزالان اللذان كانت جرهم دفنت حين أحرجت من مكة، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم، التي سقاه الله عز وجل حين ظمئ، وهو صغير.

حدثنا أحمد: نا يونس عن إسحق، تقال: حدثني عبد الله بن أبي نجيع، عن مجاهد، قال: ما زلنا نسمع أن زمزم همزة جبريل بعقبه لإسماعيل حين ظمئ.

حدثنا أحمد: نا يونس عن سعيد بن ميسرة البكري، قال: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما طردت هاجر أم إسماعيل القبطية سارة، ووضعها إبراهيم بمكة، عطشت هاجر، فنزل عليها جبريل، فقال لها: من أنت؟ فقالت: هذا ولد إبراهيم، فقال: أعطشانة أنت؟ قالت: نعم، فبحث بجناحه الأرض، فخرج الماء، فأكبت عليه هاجر تشربه، فلولا ذلك لكانت أنهارا جارية.

نا أحمد: حدثنا يونس، عن ابن إسحق، قال: فلما حفر عبد المطلب زمزم، ودله الله عز وجل عليها، وخصه بها ، زاده الله عز وجل شرفاً وخطراً في قومه، وعطلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت، فأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها، لمكانها من البيت، وأنها سقيا الله عز وجل اسماعيل.

حدثنا أحمد، قال: ثنا يونس عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم.

حدثنا أحمد قال: ثنا يونس، عن ابن إسحق قال: ووجد عبد المطلب أسيافاً مع الغزالين، فقالت قريش:

لنا معك يا عبد المطلب في هذا شرك وحق، فقال: لا، ولكن هلموا إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقداح، فقالوا :فكيف تصنع؟ قال: أجعل للكعبة قدحين، ولكم قدحين، ولي قدحين، فمن خرج له شيء كان له، فقالوا: قد أنصفت، وقد رضينا، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش، ثم أعطوها الذي يضرب بالقداح، وقام عبد المطلب يدعو الله ويقول:

اللهم أنت الملك المحمود ربي وأنت المبدىء المعيد

وممسك الراسية الجلمود من عندك الطارف و التليد

إن شئت ألهمت ما تريد لموضع الحلية و الحديد

فبين اليوم لما تريد إني نذرت عاهد العهود

أجعله ربي فلا أعود

وضرب صاحب القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، فضربهما عبد المطلب في باب الكعبة، فكانا أول ذهب حليته، وخرج الأسودان على السيوف والأدرع لعبد المطلب فأخذها.

وكانت قريش ومن سواهم من العرب إذا اجتهدوا في الدعاء، سجعوا وألفوا الكلام، وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعاها داع.

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الله بن خريت - وكان قد أدرك الجاهلية - قال: لم يكن من قريش فخذ إلا ولهم ناد معلوم في المسجد، إذ أقبل إلام، فدخل من باب المسجد مسرعاً حتى تعلق بأستار الكعبة، فجاء بعده شيخ يريده، حتى انتهى إليه، فلما ذهب ليتناوله يبست يداه، فقلنا ما أخلق هذا أن يكون من بني بكر، فتحقبناه العرب مع ما تحدث به عنا، فقمنا إليه، فقلنا: ممن أنت؟ فقال: من بني بكر، فقلنا: لا مرحباً بك، مالك ولهذا الإلام؟ فقال الإلام: لا والله، إلا أن أبي مات ونحن صبيان صغار، وأمنا مؤتمة لا أحد لها، فعاذت بهذا البيت، فنقلتنا إليه وأوصت فقالت: إن ذهبت وبقيتم بعدي فظلم أحد منكم، أو ركب بكم أمر، فمن رأى هذا البيت فليأته فيتعوذ به فإنه سمنعه، وإن هذا أخذني واستخدمني سنين، واسترعاني إبله، فجلب من إبله قطيعاً، فجاء بي معه، فلما رأيت البيت ذكرت وصاة أمي، فقلنا: قد والله أرى منعك، فانطلقنا بالرجل، وإن يديه لمثل العصوين قد يبستا، فأحقبناه على بعير من إبله، وشددناه بالحبال، ووجهنا إبله، وقلنا: انطلق لعنك الله.

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد عن أبي بكر أنه قال: كنت امرءاً تاجراً، فسلكت ثنيه في سفر لي، فإذا هو نهيش قد أنيبته حيه أصابته، فقال: يا عبد الله هل أنت مبلغي إلي أهلي ها هنا، تحت هذه الثنية؟ فقلت: نعم، فاحتملته على بعيري، فأتيت به على أهله، فقال لي رجل من القوم: يا عبد الله ممن أنت؟ فقلت: رجل من قريش، فقال: والله إني لأظنك مصنوعاً لك، والله ما كان لص أعدى منه.

قال: وأضلني ناقة لي قد كنت أعلفها العجين، فلما أيست منها، اضطجعت عند رحلي، وتقنعت بثوبي، فوالله ما أهبني إلا حس مشفرها تحرك به قدمي، فقمت إليها، فركبتها.

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني من سمع عكرمة يذكر عن ابن عباس قالك بينا أنا جالس عند عمر بن الخطاب، وهو يعرض الناس على ديوانهم، إذ مر شيخ كبير أعمى يجيد؟ قائده جبذاً شديداً، فقال عمر: ما رأيت كاليوم منظراً أسوأ.

قال: فقال له رجل: يا أمير المؤمنين هذا ابن صبغاء البهزي، ثم السلمي ، بهيك بريق، فقال عمر: قد أعلم أن بريقاً لقب، فما اسم الرجل؟ قالوا: عياض، قال عمر: ادعوا لي عياضاً، فدعى، فقال: أخبرني خبرك وخبر بني صبغاء - وكانوا عشرة نفر.

فقال عياض: شيء كان في الجاهلية قد جاء الله بالإسلام، فقال عمر: اللهم غفراً، ما كنا أحرانا نتحدث عن أمر الجاهلية منا حين هدانا الله عز وجل للإسلام، وأنعم علينا به! فقال: يا أمير المؤمنين كنت امرءاً قد نفاني أهلي، وكان بنو صبغاء عشرة، وكانت بيني وبينهم قرابة وجوار، فتنقصوني ما بي وتذللوني، فسألتهم بالله والرحم والجوار إلا ما كفوا عني، فلم يفعلوا، ولم يمنعني ذلك منهم، فأمهلتهم حتى دخل

الشهر الحرام، ثم رفعت يدي إلى الله عز وجل فقلت:

اللهم أدعوك دعاء جاهداً اقتل بني الصبغاء إلا واحدا

ثم اضرب الرجل فذره قاعداً أعمى إذا ما قيد عني القائدا

فتتابع منهم تسعة في عام واحد، وضرب الله عز وجل هذا، وأعمى بصره، فقائده يلقي منه ما رأيت، فقال عمر: إن هذا لعجب.

فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين شأن أبي تقاصف الخناعي، ثم الهذلي، وأخوته أعجب من هذا، فقال عمر: وكيف كان شأن أبي تقاصف وأخواته؟ فقال: كان جار هو منهم بمترلة عياض من بني صبغاء، فتنقصوه وتذللوه، فذكرهم الله والرحم والجوار، فلم يعطفهم ذلك عليه، فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام، رفع يديه ثم قال:

اللهم رب كل آمن وخائف وسامع هتاف كل هاتف

ان الخناعي أبا تقاصف لم يعطني الحق ولم يناصف

فاجمع له الأحبة الألاطف بين قران ثم والتواصف

قال فترلوا في قليب لهم يحفرونه حيث وصف، فتهور عليهم، فإنه لقبرهم إلى يومهم هذا. فقال رجل من القوم: شأن بني مؤمل من بني نصر أعجب من هذا، كان بطن من بني مؤمل، وكان لهم ابن عم قد استولى على أموال بطن منهم وراثة فألجأ نفسه وماله إلى ذلك البطن، فتنقصوا ماله وتذللوه وتضعفوه، فقال: يا بني مؤمل، إني قد ألجأت نفسي ومالي إليكم لتمنعوني وتكفوا عني، فقطعتم رحمي، وأكلتم مالي وتذللتموني، فقام رجل منهم يقال له رياح، فقال: يا بني مؤمل صدق، فاتقوا الله فيه وكفوا عنه، فلم يمنعهم ذلك منه، ولم يكفوا عنه، فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام وخرجوا عمارا، رفع يديه فقال:

اللهم زلهم عن بني مؤمل وارم على أقفائهم بمنكل

بصخرة أو بعض جيش جحفل إلا رياحاً إنه لم يفعل

فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نزلوا إلى جبل فأرسل الله عز وجل من رأس الجبل صخرة تجر ما مرت به من حجر أو شجر، حتى دكتهم به دكة واحدة، إلا رياحاً وأهل خبائه، لأنه لم يفعل ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن هذا للعجب، لم ترون هذا كان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أعلم، فقال: أما اني قد علمت ذاك، كان الناس أهل الجاهلية لا يعرفون رباً ولا بعثاً، ولا قيامة ولا جنة ولا ناراً، فكان الله عز وجل يستجيب لبعضهم على بعض، للمظلوم على الظالم، ليكف بذلك بعضهم عن بعض، فلما بعث الله عز وجل هذا الرسول، وعرفوا الله عز وجل والبعث والقيامة، والجنة والنار، وقال الله عز وجل: بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر فكانت المدد والاملاء.

Read 4059 times

Related items

  • أم المؤمنين السيدة خديجة ابنة خويلد رضى الله عنها

    حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت خديجة ابنة خويلد إمرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم  إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانت قريش قوماً تجاراً، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في ما لها تاجراً إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، حتى قدم الشام، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريباً من صومعة راهب من الرهبان، فاطلع الراهب على ميسرة، فقال:

     من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي .

    ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة فيما يزعمون، إذا كانت الهاجرة واشتد الحريرى ملكين يظلانه من الشمس، وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به، فأضعف، أو قريباً، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه، وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله عز وجل بها من كرامته.

    فلما أخبرها ميسرة عما أخبرها به بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له -فيما يزعمون - : يا ابن عم أني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وسطتك فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، كل قومها قد كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر على ذلك.

    وهي خديجة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وأمها فاطمة ابنة زيد بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن عبد منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها فلانة ابنة سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، وأمها عاتكة ابنة عبد العزى بن قصي، وأمها ريطة ابنة كعب بن سعد ابن تيم بن مرة كعب بن لؤي، وأمها أميمة ابنة عامر بن الحارث بن فهر، وأمها ابنة سعد بن كعب بن عمرو، من خزاعة، وأمها فلانة ابنة حرب بن الحارث بن فهر، وأمها سلمى بنت غالب بن فهر، وأمها ابنة محارب بن فهر.
    حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: فلما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالت، ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على أسد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له قبل أن يترل عليه الوحي ولده كلهم: زينب، وأم كلثوم، ورقية، وفاطمة والقاسم، والطاهر والطيب، فأما القاسم، والطاهر والطيب فهلكوا قبل الإسلام، وبالقاسم كان يكنى صلى الله عليه وسلم، فأما بناته فأدركن الإسلام، وهاجرن معه، واتبعنه، وآمن به عليه السلام.

  • محمد بن اسحق

    محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار ، وقيل : ابن كوثان العلامة الحافظ الأخباري أبو بكر ، وقيل : أبو عبد الله القرشي المطلبي مولاهم المدني ، صاحب السيرة النبوية ، وكان جده  يسار من سبي عين التمر في دولة خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف - رضي الله عنه - ولد ابن إسحاق سنة ثمانين ورأى أنس بن مالك بالمدينة ، وسعيد بن المسيب .

    وحدث عن : أبيه وعمه موسى بن يسار ، وعن أبان بن عثمان - فيما قيل - وعن بشير بن يسار ، وسعيد بن أبي هند ، وسعيد المقبري ، وأبي سفيان طلحة بن نافع ، وعباس بن سهل بن سعيد ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعمرو بن شعيب ، ومحمد بن إبراهيم التيمي ، وأبي جعفر الباقر ، ومكحول الهذلي ، ونافع العمري ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن - إن صح - وفاطمة بنت المنذر بن الزبير ، ومعبد بن كعب بن مالك ، والزهري ، والقاسم بن محمد - فيما قيل - وعكرمة بن خالد المخزومي ، وسعد بن إبراهيم ، وسعيد بن عبيد بن السباق .
    وعاصم بن عمر بن قتادة ، وصدقة بن يسار ، والصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث الهاشمي ، وعباد بن الوليد بن عبادة ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وعبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر ، ومحمد بن أبي أمامة بن سهل ، ومحمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، ومحمد بن عمرو بن عطاء ، ومحمد بن المنكدر ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، ونبيه بن وهب ، ويزيد بن أبي حبيب ، ويعقوب بن عتبة ، وأبي عبيدة بن محمد بن عمار ، ومحمد بن الزبير الحنظلي ، وسليمان بن سحيم ، وابن طاوس ، وخلق كثير ، إلى أن ينزل إلى صالح بن كيسان ، ومحمد بن السائب الكلبي ، وروح بن القاسم ، وشعبة وطائفة . وهو أول من دون العلم بالمدينة ، وذلك قبل مالك وذويه ، وكان في العلم بحرا عجاجا ، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي .
    حدث عنه : يزيد بن أبي حبيب شيخه ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وهما من التابعين وفاقا ، وشعبة ، والثوري ، والحمادان ، وأبو عوانة ، وهشيم ، ويزيد بن زريع ، وأبو شهاب الحناط ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وزهير بن معاوية ، وموسى بن أعين ، وجرير بن حازم ، وجرير بن عبد الحميد ، وابن عون ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند - وهما أكبر منه - وسفيان بن عيينة ، وجرير بن عبد الحميد .
    وحفص بن غياث ، وعبدة بن سليمان ، وأبو خالد الأحمر ، وابن إدريس ، وابن نمير ، وزياد البكائي ، وسلمة الأبرش ، وسعدان بن يحيى ، وعبد الأعلى السامي ، ومحمد بن سلمة الحراني ، وابن فضيل ، وابن أبي عدي ، ومحمد بن يزيد الواسطي ، ويزيد بن هارون ، ويونس بن بكير ، ويعلى بن عبيد ، وأخوه محمد بن عبيد ، وعبد الرحمن بن مغراء ، ويحيى بن سعيد الأموي ، وأبو تميلة يحيى بن واضح ، وأحمد بن خالد الوهبي ، وأمم سواهم يشق استقصاؤهم ، ويبعد إحصاؤهم .
    قال مصعب الزبيري : يسار مولى قيس بن مخرمة من سبي عين التمر ، وهو أول سبي دخل المدينة من العراق .

    وروى سلمة بن الفضل عن أبي إسحاق قال : رأيت أنس بن مالك عليه عمامة سوداء ، والصبيان يشتدون ، ويقولون : هذا رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يموت حتى يلقى الدجال .
    محمد بن حميد : عن جرير قال : رأيت ابن إسحاق يخضب بالسواد .
    قال المفضل الغلابي : سألت يحيى بن معين عن ابن إسحاق ، فقال : كان ثقة ، حسن الحديث : فقلت : إنهم يزعمون أنه رأى سعيد بن المسيب . فقال : إنه لقديم . وروى عباس عن يحيى ، قال : قد سمع أبان بن عثمان ومن عطاء ، ومن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، ومن القاسم ، قال : وسمع من مكحول ومن عبد الرحمن بن الأسود .
    قال ابن المديني ، عن سفيان ، عن الزهري ، قال : لا يزال بالمدينة علم ما بقي هذا - عنى ابن إسحاق .
    قال علي بن المديني : مدار حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ستة ، فذكرهم ، ثم قال : فصار علم الستة عند اثني عشر ، أحدهم محمد بن إسحاق .
    وقال نعيم بن حماد ، عن سفيان قال : رأيت الزهري أتاه محمد بن إسحاق ، فاستبطأه فقال له : أين كنت ؟ قال : وهل يصل إليك أحد مع حاجبك ، قال : فدعا حاجبه ، فقال له : لا تحجبه إذا جاء .
    وقال : قال سفيان ، قال أبو بكر الهذلي : سمعت الزهري يقول : لا يزال بالمدينة علم جم ما دام فيهم ابن إسحاق .
    وقال علي : عن ابن عيينة ، قال ابن شهاب ، وسئل عن مغازيه ، فقال : هذا أعلم الناس بها - يعني ابن إسحاق .
    وروى حرملة عن الشافعي قال : من أراد أن يتبحر في المغازي ، فهو عيال على محمد بن إسحاق .
    وقال ابن أبي خيثمة : سألت يحيى بن معين عن ابن إسحاق ، فقال :
    قال عاصم بن عمر بن قتادة : لا يزال في الناس علم ما عاش محمد بن إسحاق .
    ابن أبي خيثمة : حدثنا هارون بن معروف ، سمعت أبا معاوية يقول : - ص 37 - كان ابن إسحاق من أحفظ الناس ، فكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر ، فاستودعها عند ابن إسحاق قال : احفظها علي ، فإن نسيتها كنت قد حفظتها علي .
    قال الخليلي : قال ابن إدريس الحافظ : كيف لا يكون ابن إسحاق ثقة وقد سمع من الأعرج ، ويروي عنه ، ثم يروي عن أبي الزناد عنه ، ثم يروي عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عنه . ثم قال الخليلي : روى عن ابن إسحاق من أستاذيه : الزهري وصالح بن كيسان وعقيل ويونس .
    وقال ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال - رأى ابن إسحاق مقبلا - : لا يزال بالحجاز علم كثير ما دام هذا الأحول .
    النفيلي : عن عبد الله بن فائد ، قال : كنا إذا جلسنا إلى محمد بن إسحاق ، فأخذ في فن من العلم ، قضى مجلسه في ذلك الفن .
    قلت : قد كان في المغازي علامة .
    قال الميموني : حدثنا أبو عبد الله بحديث استحسنه عن ابن إسحاق ،
    فقلت : يا أبا عبد الله ! ما أحسن هذه القصص التي يجيئ بها ابن إسحاق ! فتبسم إلي متعجبا .
    ابن المديني : سمعت سفيان ، وسئل عن ابن إسحاق : لم لم يرو أهل المدينة عنه ؟ فقال : جالست ابن إسحاق منذ بضع وسبعين سنة ، وما يتهمه أحد من أهل المدينة ، ولا يقول فيه شيئا . فقلت له : كان ابن إسحاق يجالس فاطمة بنت المنذر ؟ فقال : أخبرني أنها حدثته ، وأنه دخل عليها .
    قال محمد بن الذهبي هو صادق في ذلك بلا ريب .
    وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي ، سمعت يحيى بن سعيد يقول : سمعت هشام بن عروة يقول : تحدث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر ، والله إن رآها قط .
    قلت : هشام صادق في يمينه ، فما رآها ، ولا زعم الرجل أنه رآها ، بل ذكر أنها حدثته ، وقد سمعنا من عدة نسوة وما رأيتهن . وكذلك روى عدة من التابعين عن عائشة ، وما رأوا لها صورة أبدا .
    قال عبد الله بن أحمد : فحدثت أبي بحديث ابن إسحاق ; فقال : ولم ينكر هشام ؟ لعله جاء ، فاستأذن عليها ، فأذنت له - يعني ولم يعلم .
    قال الأثرم : سألت أبا عبد الله عن ابن إسحاق ، فقال : هو حسن الحديث ، ثم قال : وقال مالك ، وذكره فقال : دجال من الدجاجلة .
    قال الخطيب : ذكر بعضهم : أن مالكا عابه جماعة من أهل العلم في زمانه بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والثقة والأمانة .
    قلت : كلا ، ما عابهم إلا وهم عنده بخلاف ذلك ، وهو مثاب على ذلك ، وإن أخطأ اجتهاده - رحمة الله عليه .
    ثم قال الخطيب : أنبأنا البرقاني ، حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الآدمي ، حدثنا محمد بن علي الإيادي ، حدثنا زكريا الساجي ، حدثني أحمد بن محمد البغدادي ، حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا محمد بن فليح ، قال : قال لي مالك : هشام بن عروة كذاب . قال أحمد - وهو الأثرم - إن شاء الله - : فسألت يحيى بن معين ، فقال : عسى أراد في الكلام ، أما في الحديث ، فثقة ، وهو من الرواة عنه .
    قال : وقال إبراهيم بن المنذر : حدثني عبد الله بن نافع ، قال : كان ابن أبي ذئب ، وابن الماجشون ، وابن أبي حازم ، وابن إسحاق يتكلمون في مالك ، وكان أشدهم فيه كلاما محمد بن إسحاق ، كان يقول : ائتوني ببعض كتبه حتى أبين عيوبه ، أنا بيطار كتبه .
    قال الخطيب : أما كلام مالك في ابن إسحاق فمشهور ، وأما حكاية ابن فليح عنه في هشام بن عروة ، فليست بالمحفوظة ، وراويها عن ابن المنذر لا يعرف .
    قلت : فهي مردودة .
    وقد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء لأشياء ، منها : تشيعه ، ونسب إلى القدر ، ويدلس في حديثه ، فأما الصدق ، فليس بمدفوع عنه .
    وقال البخاري : رأيت علي بن عبد الله يحتج بحديث ابن إسحاق . وذكر عن سفيان أنه ما رأى أحدا يتهمه .
    قال : وقال إبراهيم بن المنذر : حدثنا عمر بن عثمان أن الزهري كان تلقف المغازي من ابن إسحاق فيما يحدثه عن عاصم بن عمر ، والذي يذكر عن مالك في ابن إسحاق ، لا يكاد يتبين ، وكان إسماعيل بن أبي أويس من أتبع من رأينا لمالك ، أخرج إلي كتب ابن إسحاق عن أبيه في المغازي وغيرها ، فانتخبت منها كثيرا .
    قال : وقال لي إبراهيم بن حمزة : كان عند إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق ، نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام ، سوى المغازي .
    قلت : يعني بتكرار طرق الأحاديث ، فأما المتون الأحكامية التي رواها فما تبلغ عشر ذلك . وذكر البخاري هنا فصلا حسنا عن رجاله ، وإبراهيم بن سعد ، وصالح بن كيسان ، فقد أكثرا عن ابن إسحاق . قال البخاري : ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق ، فلربما تكلم الإنسان ، فيرمي صاحبه بشيء واحد ، ولا يتهمه في الأمور كلها . قال : وقال إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح : نهاني مالك عن شيخين من قريش ، وقد أكثر عنهما في " الموطأ " وهما ممن يحتج بهما ، ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم ، نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي ، وكلام الشعبي في عكرمة وفيمن كان قبلهم ، وتناول بعضهم في العرض والنفس ، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة ، والكلام في هذا كثير .
    قلت : لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر ، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة ، وقد علم أن كثيرا من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به ولا سيما إذا وثق - ص 41 - الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف ، وهذان الرجلان كل منهما قد نال من صاحبه ، لكن أثر كلام مالك في محمد بعض اللين ، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة ، وارتفع مالك ، وصار كالنجم ، والآخر ، فله ارتفاع بحسبه ، ولا سيما في السير ، وأما في أحاديث الأحكام ، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن ، إلا فيما شذ فيه ، فإنه يعد منكرا . هذا الذي عندي في حاله ، والله أعلم .
    قال يونس بن بكير : سمعت شعبة يقول : محمد بن إسحاق أمير المحدثين لحفظه .
    وقال علي بن عبد الله : نظرت في كتب ابن إسحاق فما وجدت عليه إلا في حديثين ، ويمكن أن يكونا صحيحين .
    وقال بعض الأئمة : الذي يذكر عن هشام بن عروة من قوله : كيف يدخل على امرأتي ؟ لو صح هذا من هشام لجاز أن تكتب إليه فإن أهل المدينة يرون الكتاب جائزا ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب لأمير السرية كتابا ، فقال له : " لا تقرأه حتى تبلغ موضع كذا وكذا " فلما بلغه قرأه وعمل به . وكذلك - ص 42 - الخلفاء والأئمة يفضون بكتاب بعضهم إلى بعض . وجائز أن يكون سمع منها ، وبينهما حجاب في غيبة زوجها .
    قلت : ذاك الظن بهما كما أخذ خلق من التابعين عن الصحابيات ، مع جواز أن يكون دخل عليها ، ورآها وهو صبي ، فحفظ عنها ، مع احتمال أن يكون أخذ عنها حين كبرت وعجزت ، وكذا ينبغي ، فإنها أكبر من هشام بأزيد من عشر سنين ، فقد سمعت من جدتها أسماء ، ولما روت لابن إسحاق كان لها قريب من ستين سنة .
    قال أبو زرعة الدمشقي : ابن إسحاق رجل قد اجتمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه ، منهم : سفيان ، وشعبة ، وابن عيينة ، والحمادان ، وابن المبارك ، وإبراهيم بن سعد ، وروى عنه من القدماء : يزيد بن أبي حبيب . وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا مع مدح ابن شهاب له ، وقد ذاكرت دحيما قول مالك ، فرأى أن ذلك ليس للحديث ، إنما هو لأنه اتهم بالقدر .
    وقال أبو إسحاق الجوزجاني : ابن إسحاق الناس يشتهون حديثه ، وكان يرمى بغير نوع من البدع .

    وقال سعيد بن داود الزبيري ، عن عبد العزيز الدراوردي : كنا في مجلس ابن إسحاق نتعلم ، فأغفى إغفاءة ، فقال : إني رأيت في المنام الساعة : كأن إنسانا دخل المسجد ومعه حبل ، فوضعه في عنق حمار فأخرجه . فما لبثنا أن دخل المسجد رجل معه حبل حتى وضعه في عنق ابن إسحاق فأخرجه ، قال : فذهب به إلى السلطان فجلد . قال الزبيري : من أجل القدر .
    وقال أبو العباس بن عقدة : حدثنا موسى بن هارون بن إسحاق ، سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول : كان ابن إسحاق يرمى بالقدر . وكان أبعد الناس منه .
    وقال يعقوب بن شيبة : سمعت ابن نمير - وذكر ابن إسحاق - فقال : إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين ، فهو حسن الحديث صدوق ، وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة .
    قال إسحاق بن أحمد بن خلف ، البخاري الحافظ : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : محمد بن إسحاق ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد .
    وقال سليمان بن إسحاق الجلاب : سألت إبراهيم الحربي : تكلم أحد في ابن إسحاق ؟ فقال : أما سفيان بن عيينة فكان يقول - يعني عن الزهري - : لا يزال بالمدينة علم ما عاش هذا الغلام - يعني ابن إسحاق - ولكن حدثني مصعب قال : كانوا يطعنون عليه بشيء من غير جنس الحديث .
    وقال يعقوب بن شيبة : سألت عليا : كيف حديث ابن إسحاق عندك ، صحيح ؟ فقال : نعم ، حديثه عندي صحيح . قلت : فكلام مالك فيه ؟ قال : مالك لم يجالسه ولم يعرفه ، وأي شيء حدث به ابن إسحاق بالمدينة ؟ !
    قلت : فهشام بن عروة قد تكلم فيه . فقال علي : الذي قال هشام ليس بحجة ، لعله دخل على امرأته وهو غلام ، فسمع منها . إن حديثه ليتبين فيه الصدق . يروي مرة : حدثني أبو الزناد ، ومرة ذكر أبو الزناد ، ويروي عن رجل عمن سمع منه يقول : حدثني سفيان بن سعيد ، عن سالم أبي النضر ، عن عمير صوم يوم عرفة وهو من أروى الناس عن أبي النضر ، ويقول : حدثني الحسن بن دينار ، عن أيوب ، عن عمرو بن شعيب في سلف وبيع وهو من أروى الناس عن عمرو .
    قال يعقوب الفسوي : قال علي : لم أجد لابن إسحاق إلا حديثين منكرين : نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا نعس أحدكم يوم الجمعة " والزهري ، عن عروة ، عن زيد بن خالد " إذا مس أحدكم فرجه " هذان لم يروهما عن أحد ، والباقون يقول : ذكر فلان ، ولكن هذا فيه : حدثنا .