أصدر محمد على ( دكريتو ) يقضى بإصدار عملة مصرية تقوم على نظام المعدنيين ، وبموجبه تسك نقود من الذهب والفضة ، على أن يكون لكل منهما قوة إبراء غير محدودة ، ومعنى هذا أن للمدين أن يسدد دينه – مهما كانت قيمته – بمسكوكات من أى من المعدنيين ، وجعلت نسبة المبادلة بين المعدنيين 1 : 15,52 . أى أن الوزن من الذهب قررت له قيمة تعادل 15,52 مثلاً له من الفضة .
وكان سك النقود احتكاراً للحكومة المصرية ، فهى التى تصدر قطع العملة ، وهى التى تستولى على أرباح دار الضرب ، وكانت وحدة النقود المصرية قطعة ذهبية قيمتها 20 قرشا ً ، تسمى بالريال الذهبى ، وقطعة من الفضة ذات عشرين قرشاً ، وزنها اكثر من وزن الذهب بمقدار 15,5 مرة ، وذلك تبعاً للنسبة فى أوروبا ، وتسمى بالريال الفضى .
ومع أن دكريتو سنة 1834 لم يذكر شيئاً عن الجنيه المصرى ، فإن الجنيهات المصرية سكت وابتدئ التعامل بها فى سنة 1836 ، وفيما يلى بيان بأهم قطع العملة المسكوكة فى ذلك الوقت :
الذهب : 100 قرش – 50 قرش – 20 قرش – 10 قروش .
الفضة : 20 قرش – 10 قروش – 5 قروش – 2 قرش .
نيكل وبرونز : 10 بارات – 5 بارة – 1 بارة .
ولما كانت قطع النقود الأجنبية مستعملة بكثرة فى السوق المصرية لسد حاجة المعاملات الكبيرة والتجارة الخارجية التى لم تف للقيام بمطالبها النقود المصرية ، نظراً لقلة المسكوكات الذهبية وصغر قيم المسكوكات الأخرى ، فقد حدد محمد على أسعاراً قانونية لأهم أنواع العملات الأجنبية ، ومن ثم أصبحت تقبل فى تسوية المعاملات الداخلية بقوة القانون .
ونظراً لأن تجارة مصر الخارجية كانت تتجه الى بلاد تتبع معظمها قاعدة الذهب ، وأهمها انجلترا ، بالإضافة الى ما تعرضت له قيمة معدن الفضة من تقلبات ، فقد حدث عزوف تدريجى عن قبول الفضة كأساس نقدى فى تسوية المعاملات الداخلية ، ولم يكن قد انقضى على الأخذ بقاعدة المعدنيين كأساس للنظام النقدى المصرى ثلاثون عاماً ، حتى كانت البلاد قد تحولت على أساس من الواقع الى الأخذ بقاعدة الذهب فقط أساساً لنظامها النقدى المصرى ، ولم تعد الفضة تقبل الا فى حدود مبالغ معينة .
ولم تمنح الصفة الرسمية لقاعدة الذهب كأساس للنظام النقدى المصرى حتى عام 1885 م ، عندما صدر قانون الإصلاح النقدى عقب الأزمة المالية التى نجمت عن تراكم الديون الخارجية على البلاد أيام ( الخديوى سعيد وإسماعيل ) ، وبصدور هذا القانون أصبح للبلاد عملة رسمية موحده هى الجنية المصرى الذهبى ، وزنته 8,5 جرام ذهب ، ويحتوى على 875 فى الألف من الذهب الخالص ( عيار 21 ) ، ويقسم الى 1000 مليم ، وانتهى العمل بقاعدة المعدنيين رسمياً .
وفى نفس الوقت الذى تقرر أن يصبح الجنيه المصرى الذهبى الوحدة النقدية الأساسية فى البلاد ، أجازت الحكومة وقتئذ – نظراً لعدم كفاية المسكوك من الجنيه الذهبى الجديد – باستمرار العمل بالجنيه الإسترلينى والبنتو الفرنسى والجنيه التركى – وجميعها عملات ذهبية – فى التداول ، وقررت لكل منها سعراً قانونياً ، على أن يتم إيقاف التعامل بها جميعاً عندما تبلغ المسكوكات من الجنيهات المصرية الذهبية مقداراً كافياً ، وهو ما لم يتحقق قط .
وأدى تسعير الجنيه الإسترلينى بأعلى مما تبرره كمية الذهب التى كان يحتوي عليها ، مقارنة بكل من البنتو الفرنسى والجنيه التركى ، الى أن أصبح الجنيه الإسترلينى عملة رديئة فى مواجهة العملتين الأخرتين ، وانتهى الأمر الى أن إنفرد الأول بالسوق المحلية كوسيلة للمبادلة فيها ، طارداً غيره من التداول وفقاً لما يقرره قانون جريشام من مبادئ – العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول – وبينما احتفظ الجنية المصرى الذهبى بوضعه كوحدة للنقد ذات قوة الإبراء القانونية الكاملة ، وأصبح الجنيه الإسترلينى الذهبى وسيلة المبادلة الرئيسية ، وتغيرت قاعدة النظام النقدى فى الواقع من قاعدة ذهب عادية ، الى قاعدة ذهب استرلينية .