نختص منها ما ذكره من نهاية عصر الدولة الأموية على يد مروان بن محمد الجعدى آخر خلايف بنى أميه على حد تعبيره الى عصر السلطان المؤيد شيخ الذى عاصره المؤرخ ، مرورا بعصور الدول الإسلامية المختلفة التى تولت مقاليد الأمور فى مصر سواء كانت ولاية ، ( دار إمارة على حد قوله ) أو كانت مقراً للخلافة .
يقول المقريزى : فلما استخلف مروان بن محمد الجعدى آخر خلايف بنى أمية ضرب الدراهم بالجزيرة على السكة بحران ، إلى أن قتل وأتت دولة بنى العباس فضرب أمير المؤمنين عبد الله بن محمد السفاح الدراهم بالأنبار وعملها على نقش الدنانير وكتب عليها السكة العباسية ، وقطع منها ونقصها حبة ، ثم نقصها حبتين ، فلما قام من بعده أبو جعفر المنصور أنقصها ثلاث جبات ، وتسميت بذلك الدراهم ثلاثة أرباع قيراط ، لأن القيراط أربع حبات ، فكانت الدراهم كذلك .
وحديث الهاشمية على المثقال البصرى فكان يقطع على المثاقيل الميالة الوازنة التامة ، فأقامت الهاشمية على المثاقيل والعتق على نقصان ثلاثة أرباع قيراط مدة أيام أبى جعفر المنصور وإلى سنة ثمان وخمسين ومائة ، فضرب المهدى محمد بن جعفر فيها سكة مدورة فيها نقطة ، ولم يكن لموسى الهادى سكة تعرف ، وتمادى الأمر على ذلك الى شهر رجب من سنة ثمان وسبعين ومائة ، فصار نقصانها قيراطاً غير ربع حبة ، فلما صير أمير المؤمنين هو من الرشيد السكك الى جعفر ابن يحيى البرمكى كتب اسمه بمدينة السلام وبالمحمدية من الرى على الدنانير والدراهم ، وصير نقصان الدرهم قيراطاً إلا حبة ، وضرب الأمين دنانير ودراهم وأسقط منها ، ثم أخيه محمد المأمون فلم تجز مدة وسميت الرباعيات ، وكان ضرب ذلك وهو بمرو ، وقبل قتل أخيه .
وهارون الرشيد أول خليفة ترفع عن مباشرة العيار بنفسه ، وكان الخلفاء من قبله يتولون النظر فى عيار الدراهم والدنانير بأنفسهم ، وكان هذا مما نوه باسم جعفر ابن يحيى ، إذ هو شئ لم يتشرف به أحد قبله ، واستمر الأمر على ذلك الى شهر رمضان سنة أربع وثمانين ومائة فصار النقص أربع قراريط وحبة ونصف حبة ، وصارت لا تجوز فى المجموعة أو بما فيها ثم بطلت . فلما قتل هارون الرشيد جعفر ، أصير السكك الى السندى ، فضرب الدراهم على مقدار الدنانير فى جميع ما تقدم ذكره سبيل الدراهم ، وكان خلاص السندى جيداً أشد الناس خلاصاً للذهب والفضة ، فلما كان شهر رجب سنته نقصت الدراهم الهاشمية نصف حبة ، وما زال الأمر فى ذلك كله عصراً يجوز جواز المثاقيل ، ثم ردت الى وزنها حتى كان أيام الأمين محمد بن هارون الرشيد ، فصير دور الضرب الى العباس بن الفضل بن الربيع ، فنقش فى السكة بأعلى السطر ( ربى الله ) ومن أسفلها العباس بن الفضل .
فلما عهد الأمين الى ابنه موسى ولقبه الناطق بالحق المظفر بالله ، ضرب الدنانير والدراهم باسمه ، وجعل زنة كل واحد عشرة ونقش عليه ( كل عز ومفخر ، فلموسى المظفر ، ملك خص ذكره ، فى الكتاب المذكر ) ، فلما قتل الأمين واجتمع الأمر لعبد الله المأمون ، لم يجد أحداً ينقش الدراهم ، فنقشت بالمخراط كما تنقش الخواتيم ، وما برحت النقود على ما ذكر أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل ، فلما قتل المتوكل وتغلبت الوالى من الأتراك وتناثر سكك الخلافة ، وبقيت الدولة العباسية فى الترف ، وقوى عامل كل جهة على ما يلية ، وكثرت النفقات وقلت المجابى ، تغلب الولاة على الأطراف ، وحدثت بدع كثيرة من حينئذ ومن جملتها عش الدراهم .
ويقال أن أول من غش الدراهم وضربها زيوفاً ( عبيد الله بن زياد ) حين فر من البصرة فى سنة أربع وستين من الهجرة ، ثم فشت فى الأمصر أيام دولة العجم من بنى بريد وبنى سلجوق والله أعلم .
فصل فى نقود مصر :
أما مصر من بين الأمصار فما برح نقدها المنسوب اليه قيم الأعمال وأثمان المبيعات الذهب نقد فى ساير دولها جاهلية وإسلاماً ، يشهد لذلك بالصحة أن خراج مصر فى قديم الدهر وحديثه أنما هو الذهب ، كما ذكرته فى كتاب الواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار ، فإنى أفردت فيه مبلغ خراج مصر منذ مصرت بعد الطوفان والى زماننا هذا ، وكفى من الدلالة على صحة ما رويته من طريق مسلم وأبى داوود رحمهما الله ، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( منعت العراق درهمها ونفيرها ، ومنعت الشام مدها ودينارها ، ومنعت مصر أردبها ودينارها ) فذكر رسول الله ( ص ) كل بلد وما تختص به من كيل وأشار الى أن نقد مصر الذهب ، وذلك فى هذا الحديث ما يشهد لصحة فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه بأنه لما فتح العراق فى سنة ست عشرة من الهجرة ، بعث عثمان بن جنيف رضى الله عنه ففرض على أرض السواد على كل جريب من الكرم عشرة دراهم ، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم ، وعلى جريب القصب والشجر ستة دراهم ، وعلى جريب البر ( القمح ) أربعة دراهم ، وعلى جريب الشعير درهمان ، وكتب بذلك الى عمر رضى الله عنه فارتضاه ، ولما فتحت مصر سنة عشرون هجرية على القول الراجح ، فرض عمرو بن العاص رضى الله عنه على جميع من بها من القبط البالغين من الرجال دون النساء والصبيان والشيوخ دينارين على كل رأس ، فجبيت أول عام غثنتى عشر ألف ألف دينار ، وقد روى أنها جبيت ستة عشر ألف ألف دينار ، وهما روايتان معروفتان ، فأقر ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، ومن أمعن النظر فى أخبار مصر يعرف أن نقدها وأثمان مبيعاتها وقيم أعمالها لم يزل الذهب ، فقط الى أن ضعفت مملكتها باستيلاء الفرنج عليها فحدث جينئذ أسم الدراهم ، وسأبين فيما يأتى طرفاً من ذلك :
فإن مصر لم تزل منذ فتحت دار إمارة ، وسكتها إنما هى سكة الخلافة من بنى أمية ثم من بنى العباس ، إلا أن الأمير أبا العباس أحمد بن طولون ضرب بمصر دنانير عرفت بالأحمدية ، وكان سبب ضربها - وهنا قصة غريبة عن كنز ذهبى تم البحث عنه واستخراجه من منطقة الأهرام ، مما يدل على وجود عمليات تنقيب عن الأثار أو الخبايا منذ فترة طويلة - أنه ركب يوماً الى الأهرام فآتاه الحجاب بقوم عليهم ثياب صوف ، ومعهم المساحى والمعاول ، فسألهم عما يعملون ، فقالوا نحن قوم نتتبع المطالب ، فقال لهم لا تخرجو بعد هذا إلا بمشورة ، ورجَلَ من قبلى وسألهم عما وقع اليهم من الصفات ، فذكروا له أن فى سمت الأهرام مطلباً قد عجزوا عنه لإنهم يحتاجون فى اثارته الى جمع كبير ونفقات واسعة ، فأمر بعض أصحابه ان يكفى معهم ، وتقدم الى عامل معونة الجيزة فى دفع جميع ما يحتاجون اليه من الرجال والنفقات والصرف ، فأقام القوم يعملون حتى ظهرت لهم العلامات ، فركب أحمد بن طولون حتى وقف على الموضع وهم يحفرون ، فجدوا فى الحفر وكشفوا عن حوض مملؤ دنانير وعليه غطاء مكتوب عليه ( بالبرطيه ) فأحضر من قرائه ففسر ذلك وقال أنا فلان ابن فلان الملك الذى ميز الذهب من غشه ودنسه ، فمن أراد أن يعلم فضل ملكى على ملكه فلينظر الى أفضل عيار دينارى على ديناره ، فإن تخلص الذهب من الغش تخلص فى حياته وبعد وفاته ، فقال أحمد بن طولون : الحمد لله ما نبهتنى عليه هذه الكتابة أحب إلى من المال ، ثم أمر لكل رجل كان يعمل بمائتى دينار منه ، ونفد بأن يوفى الصناع أجورهم ، ووهب لكل رجل منهم خمسة دنانير ، وأطلق للرجل الذى أقام معهم من أصحابه ثلاثمائة دينار ، وقال لخادمه نسيم : خذ لنفسك منه ما شئت ، فقال ما أمرنى به مولاى أخذته ، فقال خذ ملء كفيك جميعاً وخذ من بيت المال مثل ذلك ، فبسط نسيم كفيه فحصل على ألف دينار ، وحمل أحمد بن طولون ما بقى فوجده أجود عياراً من عيار السندى بن هاشك ، ومن عيار المعتصم ، فتشدد حينئذ أحمد بن طولون فى العيار حتى لحق ديناره بالعيار المعروف له وهو الأحمدى ، الذى كان لا يطلى بأجود منه .
ذهب المعز :
ولما دخل القايد أبو الحسين جوهر الكاتب الصقلى الى مصر بعساكر أمير المؤمنين المعز لدين الله تعالى ، وبنى القاهرة المعزية حيث كان مناخه الذى نزل به ، صارت مصر من يومئذ دار الخلافة بعد أن كانت دار الإمارة ، وضرب جوهر القايد الدينار المعزى ، ونقش عليه بأحد وجهيه ثلاثة أسطر ، أحدها دعا الإمام المعد لتوحيد الأحد الصمد ، وتحته سطر فيه ضرب هذا الدينار بمصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، وفى الوجه الآخر لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، على أفضل الوصيين وزير خير المرسلين ، وكثر ضرب الدينار المعزى ، حتى أن المعز لما قدم الى مصر سنة ثنتين وستين وثلثمائة ، ونزل بقصره من القاهرة ، أقام يعقوب بن كلس إبن عسلوج بن الحسن لقبض الخراج ، فامتنع أن يأخذ إلا ديناراً معزياً ، فاتضع الدينار الراضى وانحط ونقص من صرفه أكثر من ربع دينار ، وكان صرف الدينار المعزى خمسة عشر درهماً ودرهما ونصف ، ومن أيام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين إبى على المنصور إبن المعز ، تزايد أمر الدراهم فى شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، فبلغت أربعاً وثلاثين درهماً بدينار ، ونزع السعر فاضطربت أمور الناس ، فرفعت تلك الدراهم وأنزل من القصر بعشرين صندوقاً فيها دراهم جُدُد ، فرقت للصيارف ، وقرئ سجل لمنع المعاملة بالدراهم الأولى ، وترك من فى يده شئ منها ثلاثة أيام ، وأن يورد جميع ما تحصل منها الى دار الضرب ، فاضطرب الناس ، وبلغت أربعة دراهم بدرهم جديد ، وتقرر أمر الدراهم الجدد على ثمانية عشر درهماً بدينار .
النقود فى عصر الأيوبيين :
فلما انتهى زمن الدولة الفاطمية بمصر بدخول الفرس الشام الى مصر على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب فى سنة تسع وستين وخمسمائة ، قررت السكة بالقاهرة باسم أمير المؤمنين المرتضى بأمر الله ، وباسم السلطان الملك العادل نور الدين محمد ابن زنكى صاحب بلاد الشام ، فرسم اسم كل منهما فى وجه ، وفيها عمت بلوى المصارفه بأهل مصر لأن الذهب والفضة خرجا منها وما رجعا ، وعندما لم يوجد ، أولج الناس بما عمهم من ذلك ، وصار إذا قيل دينار أحمر فكأنما ذكرت حرمة المنورة ، وإن حصل فى يده فكأنما جاءت بشارة الجنة له ، ومقدار ما حدث أنه خرج من القصر ما بين درهم ودينار ومصاغ وجوهر ونحاس وملبوس وأثاث وقماش وسلاح ، ما لا يفى به ملك الأكاسرة ، ولا تتصوره الخواطر ، ولا تشتمل على مثله الممالك ، ولا يقدر على حساب الخلق فى الآخرة ( نقلت ما هذا نصه من خط القاضى الفاضل عبد الرحيم ) ثم لما استبد السلطان صلاج الدين بعد موت الملك العادل نور الدين ، أمر فى شوال سنة 583 هـ بأن تبطل نقود مصر ، وضرب الدينار ذهباً مصرياً ، وأبطل الدرهم الأسود ، وضرب الدراهم الناصرية وجعلها فى فضة خالصة ، ومن نحاس نصفين بالسوى ، فاستمر ذلك بمصر والشام الى أن دخل الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبى بكر محمد بن أيوب ، أبطل الدرهم الناصرى ، وأمر فى ذى القعدة من سنة 633 هـ بضرب دراهم مستديره ، وتقدم أنه لا يتعامل الناس بالدراهم المصرية العُتُق ، وهى التى تعرف فى مصر والأسكندرية بالزيوف ، وجعل الدرهم الكاملى ثلاثة أثلاث ، ثلثيه من فضة خالصة ، وثلثه من نحاس ، فاستمر ذلك بمصر والشام مدة أيام ملوك بنى أيوب .
النقود فى العصر المملوكى :
فلما إنقرضوا وقامت مماليكهم الأتراك من بعدهم ، أبقوا ساير شعايرهم ، واقتدوا بهم فى جميع أموالهم ، وأقروا نقدهم على حاله من أجل أنهم كانوا يفتخرون بالإنتماء اليهم ، حتى أنى شاهدت المراسيم التى كانت تصدر عن الملك المنصور قلاوون ، ومنها بعد البسملة ، الملكى الصالحى ، وتحت ذلك بخطه قلاوون ، فلما ولى الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى الصالحى النجمى ، وكان من أعظم ملوك الإسلام ، وممن يتعين على كل ملك معرفة سيرته ، ضرب دراهم ظاهرية وجعلها كل مائة درهم من سبعين درهماً فضة خالصة ، وثلاثين نجاساً ، وجعل رنكه على الدرهم ، وبصورة سبع ، فلم تزل الدراهم الظاهرية والكاملية بديار مصر وديار الشام الى أن فسدت فى سنة 781 هـ بدخول الدراهم الحموية ، فكثر تعنت الناس فيها ، وكان ذلك فى إمارة الظاهر برقوق قبل سلطنته ، فلما تسلطن ، وأقام الأمير محمود بن على ( أستاداراً ) ( وزير مالية ) أكثر من ضرب الفلوس وأبطل ضرب الدراهم ، فتناقصت حتى صارت عرضاً ينادى عليه فى الأسواق بحراج حراج ، وغلبت الفلوس الى أن قدم الملك المؤيد شيخ عز نصره من دمشق فى رمضان سنة 817 هـ بعد قتل الأمير نوروز الحافظى نايب دمشق ، فوصل مع العسكر وأتباعهم شئ كثير من الدراهم البندقية ، والدراهم النوروزية ، فتعامل الناس بها وحسن موقعها لبعد العهد بالدراهم .
الدراهم المؤيدية :
فلما ضرب مولانا السلطان المؤيد شيخ أعز الله نصره الدراهم المؤيدية فى شوال منها ، ونودى فى القاهرة بالمعاملة بها فى يوم السبت غرة صفر سنة 818 هـ ، فتعامل الناس بها ، وقد قال مسدد ، حدثنا خالد بن عبد الله ، حدثنا مالك بن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال ، قطع الدينار والدرهم من الفساد ( يعنى كسرهما ) فقد تقدم أن الدراهم التى عملها عبد الملك بن مروان فيها ثلاث فضائل ، وأنا أقول : أن فى ضرب مولانا السلطان الملك المؤيد الدراهم المؤيدية ست فضايل ، الأولى موافقة سنة رسول الله ص أنما فرضها من الفضة الخالصة لا المغشوشة ، والثانية أتباع سبيل المؤمنين ، وذلك أنه اقتدى فى عملها خالصة بالخلفاء الراشدين ، وقد تقدم بيان ذلك فلا حاجة الى إعادته ، الثالثة أنه لم يتبع سنة المفسدسن الذين نهى الله عن عن اتباعهم بقوله عز وجل ( وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدسن ، وبيان ذلك أن الدراهم لم تغش الا عند تغلب المارقين الذين اتبعوا أهواء قوم قد ضلوا كما مر آنفاً ، الرابعة أنه نكب عن الشره فى الدينار ، وذلك أن الدراهم لم تغش إلا للرغبة فى الإزدياد منها ، والخامسة أنه زال الغش ، وكفى بقوله صلى الله عليه وسلم ( من عشنا فليس منا ) السادسة أنه فعل ما فيه نصح لله ولرسوله ، وقد علم قوله عليه السلام ( الدين النصيحة ) الحديث .
ويمكن أن يتلمح لها فوايد أخر وأنه ليكثر تعجبى من كون هذه الدراهم المؤيدية ولها من الشرف والفضل ما ذكر ، ولمولانا السلطان من عظم القدر وفخامة الأمر ما هو معروف ، ومع ذلك تكون مضافة ومنسوبة الى الفلوس التى لم يجعلها الله تعالى نقداً فى قديم الدهر ، إلى أن راجت فى أيام أقبح الملوك سيرة وأرداهم سريرة ( الناصر فلاح ) ، وقد علم كل من رزق فهماً وعلماً انه حدث من رواجها خراب الإقليم وذهاب نعمه من أهل مصر ، وأن هذا فى الحقيقة كعكس الحقايق ، فإن الفضة وهى نقد شرعى ، لم تزل فى العالم ، والفلوس إنما هى أشبه شئ بلا شئ ، فيصير المضاف مضافاً اليه .
اللهم الهم مولانا السلطان بحسن السفارة الكريمة ، أن يأنف من أن يكون نقده مضافاً الى غيره ، وأن يجعل نقده تضاف اليه النقود كما جعل الله تعالى اسمه الشريف يضاف اليه اسم كل من رعيته بل كل ملك من مجاورى ملكه ، والأمر فى ذلك سهل إن شاء الله تعالى ، وذلك أنه يبرز المرسوم الشريف لموالينا قضاة القضاة أعز الله الله بهم الدين ، أن يلزموا شهود الحوانيت بأن لا يكتب سجل أرض ولا إجارة دار ولا صداق امرأة ، ولا مسطور بدين إلا ويكن المبلغ من الدراهم المؤيدية ، ويبرز أيضاً المناظر فى الحسبة الشريفة أن يلزم الدلالين بساير الأسواق أن لا ينادوا على شئ من المبيعات سواء قل أو جل إلا بالدراهم المؤيدية ، ويبرز أيضاً للدواووين السلطانية ودواوين الأمر والأوقاف أن لا يكتبوا فى دفاتر حساباتهم متحصلاً ولا مصروفاً إلا من الدراهم المؤيدية ، فتصير الدراهم المؤيدية ينتسب إليها ما عداها من النقود ، كما جعل الله مولانا السلطان عز نصره يضاف اليه ويتشرف به كل من انتسب أو انتمى إليه والله أعلم .