إنها معركة ( واترلو ) التى فرضها نابليون على الحلفاء بعد فراره من منفاه ، تكون الجيش الفرنسى من 72 ألف جندى ، وجيوش الحلفاء من 118 ألف جندى ، وانتهت المعركة بمقتل وإصابة 47 ألف جندى من الطرفين ، وأسر 7 ألاف فرنسى ، بينما فقد 15 ألفاً آخرين ، وقد وضعت هذه المعركة نهاية مأساوية لنابليون بونابرت ، الذى ترك المعركة قائلاً (خسرنا كل شيء إلا الشرف) وعاد إلى باريس ليتنازل عن العرش .
2 ـ بعد قرابة عام من قيام ثورة 23 يوليو من عام 1952 م ، والتى تجسدت أهدافها الأساسية في القضاء علي الفساد الذي أفرزته الملكية ، وفي إقامة نظام سياسي قادر علي قيادة التغيير الاجتماعي ، تم اعتماد الأسلوب التدريجي في تحطيم البنية القائمة ، وخلق بنية جديدة ، يتضح ذلك من عدم القيام بالإلغاء الفوري للملكية أو دستورها ، بل اقتصر الأمر علي إجبار الملك - فاروق - علي التخلي عن العرش في ٢٦ يوليو ١٩٥٢، وعلي إقامة حكومة جديدة برئاسة ( علي ماهر باشا ) السياسي المستقل المخضرم ، الذى تمتع بسمعة حسنة ، رغم أنه نتاج للعهد الملكى ، ولما تأكد لمجلس قيادة الثورة أن الوقت قد أصبح مواتيا للتخلص النهائي من تركة العهد الملكي ، قام في ١٨ يونيه ١٩٥٣ بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية وسقوط أسرة محمد علي ، التي تولت عرش مصر قرابة مائة وخمسين عاما ، وأصبح محمد نجيب رئيسا للوزراء وللجمهورية في الوقت نفسه ، وهكذا بدأت مصر مرحلة سياسية جديدة .
3 ـ وضع رجال الثورة نصب أعينهم منذ بداية حركتهم لتغيير الأوضاع المتردية في البلاد، أن يحققوا لوطنهم جلاء تاما غير مشروط، لذا كانت دعوة الجلاء هي الشعار الأول لهم ومطلبهم الرئيسي قبل أن ينقضي عام ١٩٥٢، فأعلن عبد الناصر أنه لامناص من ضرورة الجلاء دون شروط ، وإذ كان لا مفر من التفاوض مع انجلترا لوضع موضوع الجلاء موضع التنفيذ دون شروط مسبقة، ودون العودة لدائرة المماطلة التي دأبت عليها السياسة البريطانية في مفاوضاتها السابقة .
وعقدت عدة جلسات تمهيدية بين الجانب المصري برئاسة محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، والجانب البريطاني وعلي رأسه السير رالف ستيفنسون السفير البريطاني بالقاهرة، تبلورت خلالها أفكار كل منهما ثم تلتها عدة جلسات من المفاوضات الرسمية بدأت في ٢٧ أبريل ١٩٥٣، لم تصل إلي نتائج محددة، وتوالت علي أثرها هذه الجلسات في ٦ مايو من نفس العام . ولم يكن أمام قادة الثورة سوي إعلان الكفاح المسلح ضد الإنجليز وشن الحرب النفسية علي الإنجليز في منطقة القناة، فكانت الضربات مؤثرة أعلنت بريطانيا علي أثرها استعدادها لاستئناف المفاوضات مرة أخري في ١١ مايو ١٩٥٤ بمساعي الولايات المتحدة الأمريكية .
وكان موقف الحكومة المصرية قويا وواضحا إذ أصرت علي ضرورة الجلاء التام رغم المحاولات البريطانية لاستغلال الأحداث الداخلية التي واجهت المسيرة الثورية في بداية عام ١٩٥٤، وتمسكها بوجوب بقاء بعض الفنيين الانجليز لتشغيل وصيانة القاعدة البريطانية خلال مدة تنفيذ الاتفاقية بالأحرف الأولي في ٢٧ يوليو ١٩٥٤ . ولم يجد الجانب المصري غضاضة في بقاء هؤلاء الفنيين المدنيين تحت السيادة المصرية، وتم التوقيع النهائي عليها في ١٩ أكتوبر ١٩٥٤ . وتوالت الأحداث حتى ١٣ يونيو ١٩٥٦، ووفقا للجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين تم جلاء آخر قوة بريطانية عن أرض الوطن . ورغم النقد والهجوم الشديد الذي قوبلت به في المحيطين الداخلي والخارجي فإنها كانت خطوة حاسمة ومصيرية في تاريخ النضال الوطني المصري في العصر الحديث .
ولكن في ١٨ يونيو ١٩٥٦، عادت القوات البريطانية غازية مرة أخري وبصحبتها القوات الفرنسية والإسرائيلية في الثاني من نوفمبر ١٩٥٦ انتقاما لتأميم مصر لقناة السويس في السادس والعشرين من يوليو ١٩٥٦ . وكانت فرصة لمصر لتأكيد ذاتها وهويتها الحرة حينما أصدر جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية، القرار الجمهوري بإلغاء الاتفاقية واعتبارها كأن لم تكن في أول يناير ١٩٥٧، وانقطع بذلك آخر خيط بين مصر وبريطانيا، وصارت قاعدة القناة بما تحويه من منشآت ومعدات بريطانية تقدر بمئات الملايين من الجنيهات غنيمة لمصر نتيجة للأضرار الجسيمة التي لحقت بمدن القناة أثناء العدوان الثلاثي .