ماكس فون لاوا | جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1914

ماكس فون لاوا Max von Laue : عالم فيزياء ألمانى حاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء النووية وقياس التداخل ( 1) عام 1914 م ، لإكتشافه تأثير البلورات على الأشعة السينية مما يؤدى الى حيودها أو إنحرافها .

 ولد ماكس لاوا فى 9 أكتوبر 1879 في فافندورف بالقرب من كوبلنز ، وكان والده يوليوس فون لاوا مسؤولاً فى المؤسسة العسكرية الألمانية ، وحصل على لقب ( نبيل ) عام 1913 ، وكان يخدم فى مدن مختلفة ، مما جعل فون لاوا يقضى شبابه فى براندنبرج ، ألتونا ، برلين ، وستراسبورج ، وقضى فترات تعليمه الأساسى فى المدن الثلاث الأخيرة ، وفى المدرسة البروتستانتية بستراسبورج تأثر بالبروفيسور جويرنج ، الذى وضعه على الطريق السليم للعلم .

ترك لاوا المدرسة فى عام 1898 وأدى خدمته العسكرية لمدة عام ، ثم التحق بعدها الى جامعة ستراسبورج حيث درس الرياضيات والفيزياء والكيمياء ، ثم انتقل بعدها بفترة الى جامعة جوتنجن ، ليعمل تحت كلاً من البروفيسور فولدمار فويجت (W. Voigt ) وأبراهام (W. Abraham ) وتأثر بهم تأثراً كبيراً . ثم قضى فصلاً دراسياً فى جامعة ميونخ ، وفى 1902 ذهب الى جامعة برلين للعمل تحت ادارة ( ماكس بلانك  الفيزيائى الحاصل على نوبل عام 1918 ) ثم حضر محاضرات ل (O. Lummer ) وهو التأثير الذى ظهر فى أطروحة لاوا على ظاهرة التداخل فى ألواح المستوى المتداخلة .

بعد حصوله على الدكتوراه من برلين عام 1903 ن قضى فون لاوا عامين فى جامعة جوتنجن ، وفى عام 1905 عرض عليه العمل كمساعد لماكس بلانك فى معهد الفيزياء النظرية ببرلين ، حيث عمل على تطبيقات الأنتروبيا (2) فى مجال الإشعاع وعلى أهمية الديناميكا الحرارية فى تماسك الموجات الضوئية .

فى عام 1909 التحق بجامعة ميونخ كأستاذ محاضر فى مجال البصريات والديناميكا الحرارية ونظرية النسبية ، وفى 1912 أصبح أستاذ الفيزياء فى جامعة زيوريخ ، وبعدها بعامين انتقل الى جامعة فرانكفورت ، وفى عام 1916 انشغل بالعمل الحربى فى جامعة فورتسبورج وعمل على الأنابيب المفرغة التى تستخدم فى الإتصالات السلكية واللاسلكية ، وفى عام 1919 تم تعيينه كأستاذ للفيزياء فى جامعة برلين ، وهو الموقع الذى ظل فيه حتى عام 1943 ، ومنذ عام 1934 عمل كمستشاراً لمعهد الرايخ التقنى فى برلين .

قام ألبرت أينشتين فى عام 1917 بإدارة معهد الفيزياء الذى أسس حديثاً فى برلين ـ دالم ، والتحق فون لاوا بالمعهد كمدير ثانى ، وكان مسؤولاً عن الشق الإدارى بهذا المعهد ، الذى كان على صلة وثيقة بالبحث العلمى الألمانى ، وقد بذل فون لاوا خلال هذه الفترة وما تلاها دوراً كبيراً فى تطوير الأبحاث العلمية فى ألمانيا ، وعندما ضربت برلين بالقنابل أثناء الحرب العالمية الثانية ، تم نقل المعهد الى هتشنجن فى فورتسبرج ، وانتقل معه فون لاوا ، واستمر هناك لمدة سنتين من 1944 الى 1945 ، وخلال هذه الفترة كتب ( تاريخ الفيزياء) والذى طبع أربع طبعات وتمت ترجمته الى سبع لغات ، وبعد دخول قوات الحلفاء لألمانيا ، رحب بدخول القوات الفرنسية ، وقامت قوة عسكرية أنجلو أمريكية باقتياده مع تسعة علماء ألمان آخرون الى انجلترا التى ظل بها حتى عام 1946 ، وأثناء فترة إحتجازة ببريطانيا قام بكتابة ورقة بحثية عن قانون إمتصاص آشعة إكس أثناء إنحرافها ، وهى الورقة البحثية التى ساهم بها فى الإتحاد الدولى لعلماء البلورات عام 1948 فى جامعة هارفارد ، وكان قد ذهب فى عام 1946 الى جوتنجن وعمل كمدير لمعماكس فون لاوا مع الفيزيائى أدولف شايبه هد ماكس بلانك وأستاذاً فخرياً بالجامعة هناك .

فى عام 1951 تم انتخابه مديراً لمعهد فريتز هابر للفيزياء الكيميائية فى برلين ـ دالم ، وهناك عمل على الخصائص البصرية والضوئية لأسعة اكس بالتعاون مع بورمان وآخرون ، حتى تقاعده فى عام 1958 ، وفى العام التالى احتفل بعيد ميلاده الثمانين فى برلين دالم حيث عاش وظل يعمل بنشاط لمدة ست شهور أخرى .

وبغض النظر عن أعماله السابقة فقد تنوعت المجالات العلمية التى عمل بها ، فقد تحمس فى بداية حياته بنظرية النسبية لأينشتين ، وفيما بين 1907 و 1911 م ، نشر ثمانية أوراق بحثية على تطبيقات هذه النظرية ، ولعل أهم أعماله المعروفة هو ما حصل بسببه على جائزة نوبل عام 1914 عن اكتشافه لحيود الآشعة السينية على البلورات ، وقد فسر كيف نشأت فكرة هذا الإكتشاف فى الخطاب الذى ألقاه أثناء استلام الجائزة ، بأنه عندما ناقش المشكلات المتعلقة بمرور موجات الضوء الدورى خلال جزيئات بلورية منتظمة ، والفكرة التى جاءت اليه أن مثل هذه الأشعة الكهرومغناطيسية القصيرة ، كما افترض أن تكون الأشعة السينية ، سوف تؤدى فى هذا الوسط نوعاً ما الى ظاهرة الحيود أو التداخل ، وأن البلورات سوف تسمح بوجود هذا الوسط ، وقد ناقش هذه الفكره مع مجموعة من زملائه الذين اعترضوا على فكرته ، وقام أحدهم باختبار هذه الفكرة التى أثبتت نجاحها بعد عدة مرات من الفشل ، عمل فون لاوا خارج الصيغ الرياضية ونشر اكتشافه عام 1912 ، والذى يقوم على حقيقة أن أشعة اكس هى كهرومغناطيسية فى الطبيعة ، وهو ما فتح الطريق أمام ( السير  ويليام هنرى براج ، وويليم لاورنس براج ) للبحث مجدداً على هذه النقطة والفوز بنوبل عام 1915 م ، وقد قدم فون لاوا اسهامات اخرى فى هذا الموضوع فى وقت لاحق .

ومن الأعمال البارزة ايضاً لفون لاوا أسهاماته فى مشكللات الموصلات  فائقة القدرة التى أجراها عندما كان أستاذاً للفيزياء النظرية فى جامعة برلين ، حيث وجد غياباً ملحوظاً للمقاومة الأومية التى ظهرت فى العديد من المعادن تحت درجة الحرارة المنخفضة جداً والتى قدمها الهليوم السائل .

وكان الإسهام الأكثر قيمة لفون لاوا هو توضيحه فى عام 1932 لحقيقة أن مشارف المجال المغناطيسى التطبيقى ، الذى يدمر الموصلات الكهربية الفائقة ، يختلف عن شكل الجسم لأنه عندما يتكون المجال المغناطيسى بعد أن تتكون حالة التوصيلية الفائقة ، يتم تشويه هذا المجال بواسطة التوصيلية الفائقة لسطح المعدن المستخدم ، هذا التوضيح تم إثباته وفتح الطريق الى اكتشاف أن الموصل الفائق يلغى كل المجال المغناطيسى بداخله ، وهو ما أصبح فكرة أساسية فى نظرية (F. and H. London )  عن الموصلات الكهربية الفائقة ، وقد نشر فون لاوا ورقة بحثية بالتعاون مع (F. and H. London's ) وفيما بين عامى 1937 وعام 1947 قدم ما مجمله 12 ورقة بحثية وكتاباً حول هذا الموضوع .

حصل فون لاوا على العديد من الأوسمة والدرجات الفخرية والعضوية الشرفية من قبل العديد من الهيئات العلمية والجامعات على مستوى العالم ، كما لاقت شخصيته وتقديره السليم الكثير من الإحترام من معاصرية ، وساهم رأيه وفكره بتأثير كبير فى ادارة وتطوير البحث العلمى فى ألمانيا ، وعندما وصل هتلر وحزبه النازى للسلطة عبر عن رأيه العلمى فى نظرية النسبية لأينشتين رغم خطورة هذا الأمر وقتها ( لأن أينشتين كان يهودياً )

ماكس فون لاوا عام 1955 كان فون لاوا يهوى الإبحار والتزلج وتسلق الجبال والسيارات ، لم يكن يتسلق الصخور ولكن كان يحب القيام بجولات فى جبال الألب الجليدية مع أصدقائه العلماء ، وكان من سائقى السيارات الشهيرين فى برلين ، بداية بدراجته البخارية فائقة السرعة التى كان يذهب بها لإلقاء محاضراته ، وأخيراً بالسيارة ، فقد كان يهوى السرعات الكبيرة ورغم ذلك لم يتعرض لحادث واحد طوال حياته .

شعر فى السنوات الأخيرة بالإكتئاب والإحباط وشعر بالإضطهاد من العلماء والسلطات العسكرية التى كان يكرهها بشدة ، لكنه تخطى هذه الفترة واستعاد حس الفكاهة والمرح ، لم يمارس أى فن لكنه اهتم بالعديد من الفنون خاصة بالموسيقى الكلاسيكية وقرأ كثيراً فى تاريخ وفلسفة العلم ، وكان يعتقد فى النجوم وقمم الجبال والإنجازات البشرية مع قلب مفعم بالتدين ، وطلب أن يكتب على شاهد قبره أنه كان يؤمن بقوة فى رحمة الله .

تزوج فون لاوا فى 1910 من ماجدالينا ديجن ، وفى 8 أبريل 1960 عندما كان يقود سيارة تسلم رخصتها من يومين فقط ، بمفرده فى الطريق لمعمله ، اصطدمت به دراجة بخارية ،  مات قائدها فوراً وانقلبت سيارته فى طريق برلين السريع وتم استخراجه من تحتها قبل أن تشتعل فيها النيران ، ورغم أنه تعافى من بعض الجروح التى أصابته ، إلا أنه توفى فى 24 أبريل 1960 فى عمر 80 عاماً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   قياس التداخل في الفيزياء ( Interferometry ) هي تقنية خاصة بدراسة خواص موجة أو موجات عن طريق تعيين التداخل الذي يحدث عند انطباق موجتان أو أكثر على بعضها ، ويسمى الجهاز الذي يقوم بتعيين تداخل الموجات بمقياس التداخل interferometer.  ولدراسة التداخل أهمية خاصة في فروع متعددة في علم الفلك، وفي تقنية الألياف الضوئية، وفي هندسة القياس، والقياس الضوئي ، وفي علوم البحار ، وفي علم الزلازل والهزات الأرضية، وفي ميكانيكا الكم وفي الفيزياء النووية وفي فيزياء الجسيمات الأولية، وفي فيزياء البلازما، وفي الاستشعار عن بعد.  

(2)   مصطلح إنتروبي entropy  يعرب أحيانا بكلمة اعتلاج) أصل الكلمة مأخوذ عن اليونانية ومعناها "تحول" . أصبحت الإنتروبيا أو الإنتروبي مصطلحا أساسيا في الفيزياء والكيمياء ضمن قوانين التحريك الحراري في الغازات أو السوائل ، وخاصة بالنسبة للقانون الثاني للثرموديناميك، الذي يتعامل مع العمليات الفيزيائية للأنظمة الكبيرة المكونة من جزيئات بالغة الأعداد ويبحث سلوكها كعملية تتم تلقائيا أم لا. ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على مبدأ أساسي يقول : أي تغير يحدث تلقائيا في نظام فيزيائي لا بد وأن يصحبه ازدياد في مقدار "إنتروبيته". يميل أي نظام مغلق إلى التغير أو التحول تلقائيا بزيادة أنتروبيته حتى يصل إلى حالة توزيع متساو في جميع أجزائه، مثل تساوي درجة الحرارة ، وتساوي الضغط ، وتساوي الكثافة وغير تلك الصفات. وقد يحتاج النظام المعزول الوصول إلى هذا التوازن بعضا من الوقت. مثال على ذلك إلقاء قطرة من الحبر الأزرق في كوب ماء، نلاحظ أن قطرة الحبر تذوب وتنتشر رويدا رويدا في الماء حتي يصبح كل جزء من الماء متجانسا بما فيه من حبر وماء، فنقول أن أنتروبة النظام تزايدت. أي أن مجموع إنتروبية نقطة الحبر النقية + إنتروبية الماء النقية تكون أقل من إنتروبية النظام "حبر ذائب في ماء" . وقد أصبح للإنتروبيا كأحد الصفات الطبيعية لنظام أهمية من خلال علاقة الإنتروبيا بتحول الطاقة الحرارية إلى شغل ميكانيكي. فنجدها تلعب دورا هاما في تحديد كفاءة آلات ، مثل محرك الاحتراق الداخلي ومحرك الديزل وغيرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : الموقع الرسمى لجائزة نوبل

Read 2517 times