ولد فيليب ليونارد فى 7 يونيو 1862 فى بيرسبورج التابعة وقتها للإمبراطورية النمساوية المجرية ، وعائلته تنحدر من أصول تنتمى الى ( تيرول ) إحدى الولايات النمساوية الشهيرة بمنتجعات التزلج على الجليد ، درس لينارد الفيزياء فى بودابست ثم فيينا ثم برلين وأخيراً هايدلبرغ ، وحصل فى عام 1886 على الدكتوراه فى الفيزياء من جامعة هايدلبرج .
عمل منذ 1892 كأستاذ غير متفرغ ومساعد للأستاذ ( هرتز ) فى جامعة بون ، وفى عام 1894 عمل كأستاذ فوق العادة فى جامعة بريسلاو ، وفى عام 1895 أصبح أستاذاً للفيزياء فى ( أليكس لا شابيلا Aix-la-Chapelle ) وفى العام التالى أصبح أستاذاً للفيزياء النظرية فى جامعة هايدلبيرج ، وفى 1898 تم تعيينه أستاذاً فى جامعة كيل .
عمل لينارد أولاً فى مجال الميكانيكا ، عندما نشر ورقة بحثية عن ذبذبة قطرات الماء المترسبة ، والمشاكل المتعلقة بها (oscillation of precipitated water drops ) ، وفى عام 1894 ، قام بنشر ( المبادئ الأساسية للميكانيكا ، على خطى هيرتز )
سرعان ما اهتم لينارد بظاهرتي الوميض الفسفورى phosphorescence ، التألق أو التلألؤ luminescence ، وهو ما كان تطوراً لحالة من الإنجذاب الغامض أثناء طفولته ، لظاهرة الإضاءة الخافتة التى تظهر فى الظلام الدامس ، عندما كان يلعب مع زملائه فى المدرسة ببلورات الفلورين ويقومون بتدفئتها فتشع ضوءاً خافتاً ، ثم قام لاحقاً بمعاونة الفلكى وولف (W. Wolf) بدراسة تألق حمض البيروجاليك (pyrogallic) عند مزجه مع البيسولفايت القاعدى (bisulphite) لإستخدامه فى التصوير الفوتوغرافى ( الفلاش القديم ) ، فوجد أن هذا البريق أو التألق ناتج عن أكسدة حمض البيروجاليك .
كما قام أيضاً بإجراء دراسات مغناطيسية عن البزموت ( ويتميز عنصر البزموت أو البزموث بخصائص فلزية وكهربية ويرمز له فى الجدول الدورى باسم Bi) وقد أجرى هذه التجارب مع ( فى كالت ) أستاذه الأول للفيزياء فى الكليه الحديثة فى مدينته بيرسبورج ، وقد عمل كالت لسنوات عديدة على ما يسمى بالمواد ذاتية الإضاءة مثل كبريتيد الكالسيوم ، وتمكنا سوياً من الوصول الى ان كبريتيد الكالسيوم بعد سطوعة أو تألقه الأول ، يمكن أن يشع ضوءاً فى الظلام ، إذا ما احتوى على كميه قليله من بعض المعادن الثقيلة مثل النحاس أو البزموت ، فيشكل بلورات يعتمد لونها وكثافتها ومدة إشعاعها للضؤ على وجود هذه المعادن الثقيلة ، أما إذا كان كبريتيد الكالسيوم نقياً فلا يشع أى ضؤ ، كان هذا العمل مع ( كالت ) هو بداية لمجال جديد شغل لينارد لمدة 18 عاماً تالية .
بدأ لينالرد بعمله الأول على أشعة الكاثود فى عام 1888 عندما كان يعمل فى هايدلبرج مع أستاذه ( كوينكه ) وبحث وقتها وجهة نظر ( هرتز ) فى أن هذه الأشعة تشبه الى حد كبير الأشعة فوق البنفسجية ، فقام بإجراء تجربة يختبر فيها إمكانية عبور أشعة الكاثود من نافذة من الكوارتز فى جدار الأنبوب الزجاجى المفرغ ، مثلما عبرت منه الأشعة فوق البنفسجية ، وكانت النتيجه عدم عبور أشعة الكاثود ، وأتاحت له الظروف لاحقاً أن يعمل مع ( هرتز ) كمساعد فى جامعة بون عام 1892 م ، فدعاه هرتز لمشاهدة إكتشاف جديد قام به ، عباره عن قطعة من زجاج اليورانيوم مغطاه برقاقة من الألمونيوم ، تم وضعها داخل أنبوب التفريغ الزجاجى ، وكيف أنها أصبحت مضيئة عندما ضربتها أشعة الكاثود ، واقترح هيرتز وقتها أنه يمكن الفصل بين طرفى الأنبوبة بواسطة رقاقتين من الألمونيوم ، توضع الأولى من الجهة التى تصدر منها أشعة الكاثود ، والثانية فى الطرف الآخر الذى يمكن ملاحظتها منه ، وهو ما لم يسفر عن أى شئ ، ولإنشغال هرتز فى أعمال أخرى فقد أعطى لينارد الإذن ليعيد التجربة وهو ما أتاح له إكتشافه العظيم المسمى ( نافذة لينارد ) .
كانت التجارب فى نهاية القرن التاسع عشر عن أشعة الكاثود ، والإشعاع المنبعث من أنبوب زجاجى مفرغ ، الضغط بداخله منخفض ، عند مرور تيار كهربى بين سطحين معدنيين ، قد قادت الى إكتشاف الإلكترون والأشعة السينية ، وقام فيليب ليونارد بسلسلة من التجارب بدأها على أنبوب زجاجى زوده بنافذة من الألمونيوم ، مكنته من دراسة الإشعاع خارج الأنبوب الزجاجى ، فأثبت أن الإشعاع لم يكن كهرومغناطيسياً .
وتم ذلك بعد مجموعة من التجارب مع مجموعة متنوعة السماكة من رقائق الألمونيوم التى قام بتصنيعها فى عام 1894 ، وتمكن من إستبدال رقاقة الكوارتز التى كانت تغلق طرف الأنبوب المفرغ برقاقة أخرى سميكة من الألمونيوم تسمح بالحفاظ على التفريغ داخل الأنبوب ، ولكنها بسماكة تسمح بمرور أشعة الكاثود من خلالها أيضاً ، وهنا تمكن من دراسة هذه الأشعة ، والتألق الذى تسببه خارج الأنبوب المفرغ ، واستخلص ليونارد من تجاربه أن أشعة الكاثود يمكنها أن تنتقل خلال الهواء لمسافات قصيرة ( ديسيميترات ) أما فى الأنبوب المفرغ فيمكن أن تنتقل لأمتار عديدة دون أن تضعف ، ورغم أن ليونارد كان مقتنعاً بوجهة نظر ( هرتز ) حول أن أشعة الكاثود يمكن أن تنتشر عبر ( الأثير ether ) إلا أنه غير وجهة نظره بعد النتائج التى أحرزها (جين بابتيستا بيرين (2) Jean Baptiste Perrin فى عام 1895 ) و ( جوزيف جون طومسون ( 3) Joseph John Thomson ) فى عام 1897 م ، و ( فيلهلم وين ( 4) Wilhelm Wien ) فى 1897 م ، والتى أثبتت الطبيعة الجسيمية لأشعة الكاثود .
عمل لينارد بعد ذلك على التأثير الكهروضوئى لهرتز ، ليختبر طبيعة هذا التأثير فى بيئة مفرغة بشكل كبير ، وظهر له أن الأشعة فوق البنفسجية عندما تسقط على معدن ، فإنها تأخذ من إلكترونات هذا المعدن وتقوم بنشرها فى الفراغ ، والتي يمكن تسريعها أو تبطيئها بواسطة مجال كهربائي ، وأن مساراتها يمكن أن تنحني بواسطة المجال المغناطيسي ، بواسطة القياسات الدقيقة أظهر أن عدد الإلكترونات المتوقعه يتناسب مع الطاقة التي يحملها الضوء الساقط ، بينما سرعتها ، أو يمكن القول ، طاقتها الحركية ، مستقل تماما عن هذا العدد ويتفاوت فقط مع الطول الموجي ويزيد عندما يقل .
هذه الحقائق تعارضت وقتها مع النظريات السائدة ، ولم يتم تأكيدها حتى عام 1905 ، عندما قدم ( أينشتاين ) قانون الكم وطور فى نظرية كموميات الضؤ أو الفوتونات ، والتى أكدها ( ميليكان ) بعد ذلك ، لذا لم يسامح لينارد أينشتاين أبداً على إكتشافه هذا والذى ربط القانون بإسمه .
وقد قام لينارد ، فى إطار عمله على زيادة سرعة الإلكترون وقياس طاقته ، بإختراع خليه كهروضوئية والتى سمى النموذج الأول منها باسم ( مصباح القطب الثالث 3-electrode lamp ) ذو الأهمية الكبيرة اليوم فى تقنيات الإشعاع الكهربى ، والفرق بين الخليتين السابقتين وخلية أو مصباح لينارد أن الإلكترونات كانت تؤخذ من الكاثود بواسطة الضؤ ، بينما فى مصباح أو خلية لينارد فكان الكاثود عبارة عن شعيرات بيضاء ساخنة يمكن إرسالها عبر أنبوب مفرغ ذو كثافة عالية (the cathode is a white-hot filament capable of sending into the vacuum currents of much higher intensity ) ، وكان لينارد قد أثبت فى عام 1902 أن الإلكترون يجب أن يحمل حد أدنى من الطاقة قبل أن يتأين عند مروره عبر وسط غازى .
نشر لينارد تصوره عن الذرة فى عام 1903 باعتبارها لفيف مما سماه (dynamides ) أو جسيمات صغيرة جداً تفصل بينها مسافات كبيرة ، لديها كتلة يمكن تصورها كثنائيات كهربائية متصلة بواسطة شحنتين متساويتين من إشارتين متعاكستين ، وعددهم يساوي الكتلة الذرية ، وكانت المواد الصلبة في الذرة ، حسب تصوره ، حوالي 1000000000 من الذرة بأكملها، ساهم هذا العمل كثيرا فى نظرية لورنتز للإلكترونات .
فى سنواته الأخيرة درس لينارد طبيعة ومنشأ خطوط الطيف ، مطوراً بذلك أعمال كل من ( رايدبيرج وكايزر ورانج ) والتى أظهرت أن خطوط الطيف للمعادن ، يمكن أن ترتبط فى سلسلتين أو أكثر وأن هناك علاقة رياضية محددة بين الطول الموجى لهذه السلاسل ، وأظهر لينارد أنه فى أى سلسلة تحدث تغيرات محددة فى الذرة ، وأن هذه التغييرات تحدد السلسلة وتختلف طبقاً لعدد الإلكترونات المفقود .
يمكن النظر لفيليب لينارد على أنه من عباقرة التجريب ، إلا أن نظرياته ليست على نفس المستوى من العبقرية ، فبعض إكتشافاته عظيمة والبعض الأخر كان شديد الأهمية ، لكنه أعطاها أكثر من قيمتها الحقيقية ، وعلى الرغم من حصوله على العديد من الشهادات الفخرية من عدد كبير من الجامعات ، إلا أنه شعر بأنه لم يقدر التقدير الكافى ، وهذا يوضح هجومه على الكثير من الفيزيائيين فى بلدان كثيرة ، كما أنه اقتنع بالفكر النازى وأصبح عضواً فى الحزب الإشتراكى الوطنى ( النازى ) واستجاب الحزب لجعله رئيساً للفزيائيين من الجنس الآرى الألمانى .
من بين مؤلفات لينارد :
· حول الأثير والمواد ( 1911 الطبعة الثانية )
· الكم وأشعة الكاثود ( 1918 )
· عن مبدأ النسبية ( 1918 )
· غرس العلوم ( 1930 )
كان لينارد قد تزوج من كاترينا شلينر ، وتوفى فى 20 مايو 1947 م ، عن عمر ناهز 85 عاماً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 – المهبط (Cathode ) هو قطب الدائرة الكهربية التي يحدث عنده عملية اختزال الإلكترونات، واتفق العلماء على جعل إشارة المهبط موجبة في الخلية الكهربائية حيث يكتسب المهبط إلكترونات خلال عملية الاختزال الكيميائي ، وعادة ما يتكون المهبط من معدن على هيئة لوح أو قضيب يـُغمس في محلول موصل للتيار يسمى كهرل كما في حالة خلية دانيال حيث يتكون المهبط من لوح نحاس منغمس في محلول كبريتات النحاس.
في الشكل يكتسب أيون النحاس ذو شحنة كهربية موجبة القادم من المحلول إلى المهبط فيكتسب أيون النحاس إلكترونين قادمين من نصف الدائرة الخارجية ويتعادل ويترسب على لوح النحاس. (هذان الإلكترونان قادمان من المصعد anode، ويكون المصعد من معدن الزنك الذي يشكل نصف الخلية الثاني في الخلية الجلفانية.
2 – جين بابتيستا بيرين ، عالم فيزياء فرنسى حاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1926 م ، لأبحاثه على الطبيعة المتقطعة للمواد لا سيما إكتشافه لإتزان الترسيب .
3 – جوزيف طومسون يعتبر اكتشافه للإلكترون أفضل بحوثه على الإطلاق وأكثرها شهرةً وتأثيراً، حيث قادته تجاربه على أشعة المهبط (أو أشعة الكاثود) إلى اكتشاف الخواص الأساسية للإلكترون. حيث قام بتعريض غاز مخلخل لتيار كهربائي فرق جهده حوالي 10,000 فولت تحت ضغط منخفض يتراوح من 0.0001 إلى 0.01 مم/زئبق فلاحظ انطلاق أشعة من الكاثود (مهبط) إلي الآنود (مصعد) وهي أشعة غير منظورة لكنها تحدث توهجا على جدار أنبوبة التفريغ. وأثبت أن أشعة المهبط ليست أشعة ولكنها سيل متصل من الجسيمات سالبة الشحنة تتأثر بالمجال الكهربي والمجال المغناطيسي وتنحرف طبقاً لشدة مجال كل منهما. كما تمكن من حساب كتلة تلك الجسيمات وسرعتها، لذا فقد اشتهر بلقب ""أبو الإلكترون"".
4 ـ فيلهلم وين عالم فيزياء ألمانى حاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1911 عن أبحاثه التى أدت الى اكتشاف القوانين المنظمة للإشعاع الحرارى .
المصدر : الموقع الرسمى لجائزة نوبل