وقد أدت أبحاثه الى ما يسمى بـ ( مسلمات كوخ ) وهى سلسلة من أربع مبادئ عامة تربط بين الكائنات المجهرية المسببة للأمراض ، أو ما تعرف اليوم بالمعيار الذهبى فى علم الأحياء الدقيقة ، ونتيجة لأبحاثه المبتكرة على السل ، حصل كوخ على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب في عام 1905 م .
حياته الشخصية :
ولد كوخ فى ( كلاوشتال Klausthal ) بمقاطعة سكسونيا السفلى الألمانية ، فى 11 ديسمبر عام 1843 ، وكان الإبن الثالث بين عشرة أخوة ، أبدى إستعداداً كبيراً للتعلم ، فقد علم نفسه القراءة والكتابه فى سن مبكر ، قبل إلتحاقه بالدراسة فى عام 1848 م ، ثم تخرج من المدرسة العليا عام 1862 ، وكان متفوقاً فى العلوم والرياضيات ، حتى التحق فى سن 19 عام بجامعة ( جوتنجن ) لدراسة العلوم الطبيعية ، وبعد فصلين دراسيين قرر أن يدرس الطب بدلاً من العلوم ، إذ قرر أن يصبح طبيباً ، وفى فصله الخامس بالجامعه ، عرض عليه ( يعقوب هنلى ) أحد علماء التشريح ـ ومؤسس نظرية انتشار العدوى فى عام 1840 ـ أن يساعده فى أبحاثه المتعلقة ببنية العصب الرحمى ، وفى صفه السادس ، قام كوخ بإجراء بعض الأبحاث فى معهد الفسيولوجيا ، حيث درس طريقة إفراز حمض ( السكسينيك ) وهو ما كان الأساس لأطروحته العلمية فيما بعد .
تخرج كوخ من مدرسة الطب فى يناير من عام 1866 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف ، ليتزوج بعد تخرجه من ( إيما أدولفينا يوسفينا فراتز ) وذلك فى يوليو 1867 ، لينجبا إبنتهم ( جيرترودا ) فى عام 1868 م ، ثم انتهى زواجهم بالإنفصال فى عام 1893 ، وفى نفس العام تزوج كوخ من ممثلة تدعى ( هيدفيج فرايبيرج ) .
بعد تخرجه مباشرة عمل كوخ جراحاً أثناء الحرب الفرنسية البروسة ، وبعد إنتهاء خدمته العسكرية عمل طبيباً فى إحدى المستشفيات البولندية ، وفى الفترة من 1885 الى 1890 ، عمل كوخ مديراً وأستاذاً فى جامعة برلين ، وقد عانى كوخ من أزمة قلبية فى 9 أبريل من عام 1910 ، لم يشفى منها تماماً ، وفى 27 مايو ، بعد ثلاثة أيام من إعطائه محاضرة عن أبحاثه حول السل فى جامعة برلين ، توفى كوخ فى ( بادن بادن ) عن عمر ناهز 66 عاماً ، وبعد وفاته تم تسمية أحد المعاهد بإسمه تخليداً لذكراه .
عزل البكتيريا النقية على وسيط :
بدأ كوخ تجاربه على الكائنات الدقيقة فى معمله الذى كان ملحقاً بحجرة الفحص فى عيادته ، وقد أسفرت أبحاثه المبكره فى هذا المعمل عن واحدة من أهم الإسهامات فى علم الكائنات الدقيقة ( الميكروبيولوجى ) ألا وهى طريقته فى زراعة البكتيريا ونموها ، والإسهام الثانى كان فى عزل العامل المسبب للمرض بصورة نقية ، وفى محاولاته الأولى لتنمية البكتيريا استخدم كوخ ( شرائح البطاطس ) لتنمو عليها البكتيريا ، وخلال هذه التجارب الأولية ، لاحظ كوخ نمو مستعمرات من الخلايا مشابهة للخلية الأصلية ، لكنه اكتشف أن شرائح البطاطس وسط غذائى غير ملائم لنمو كل أنواع البكتيريا ، فاستخدم بعدها وسط غذائى من الجيلاتين ، لكنه لاحظ لاحقاً ان الجيلاتين مثل البطاطس لم يكن الوسط المثالى لنمو البكتيريا خاصة وأنه لا يبقى صلباً عند درجة حرارة 37 مئوية ، وهى الدرجة المثلى لنمو معظم البكتيريا المسببة لأمراض الإنسان ، لذلك لجأ فى النهاية الى ( الأجار ) لتنمية وعزل البكتيريا بصورة نقية ، خاصة وأنه يبقى صلب عند درجة 37 مئوية ، ويعطى وسطاً شفافاً .
فرضيات كوخ الأربعة :
قبل كوخ منصب المستشار الصحى للإمبراطورية البروسية عام 1880 ، وخلال هذه الفترة نشر تقريراً عن أهمية البيئة الصحية فى الوقاية من البكتيريا المسببة للأمراض ، من خلال أربع مسلمات ، يمكن من خلالها التعرف على والوقاية من الأمراض المعدية ، وساعدت كثيراً على ترسيخ ثقافة معملية أكبر فى تحديد العوامل المسببة للأمراض المعدية ، وتكوين الأمصال المضادة ، وهذه الفرضيات هى :
1 ـ أن الكائنات المجهرية أو الجراثيم لابد أن تكون موجوده وحيه فى أى حالة مرضية .
2 ـ يجب عزل البكتيريا المسببة للمرض من الشخص المصاب وتركها لتنمو فى بيئة مناسبة .
3 ـ هذه البكتيريا أو الجراثيم المعزولة تسبب نفس المرض عند حقن أحد حيوانات التجارب السليمة بها .
4 ـ عند عزل هذه الكائنات من الحيوانات المحقونة أو الملقحة ، يجب أن تكون مثل التى تم عزلها من المصاب الأصلى .
الجمرة الخبيثة :
اشتهر كوخ بأبحاثه على الجمرة الخبيثة ، واكتشافه للعصيات المسببة للمرض الفتاك ، وتكوين هذه الجرثومة التى يمكن أن تبقى ساكنة تحت ظروف معينة ، وكيف تنشط فى ظروف أخرى وتسبب المرض ، بعد أن تمكن من وضع هذه البكتيريا على شريحة زجاجية تحت المجهر ، وكانت هذه أولى التجارب فى علم الميكروبيولوجى ، التى أثبت بها كوخ أن لكل مرض نوع معين من البكتيريا يسببه ، وأن الأمر غير عشوائى كما كان سائداً وقتها ، ويعد روبرت كوخ أول من أثبت منذ حوالي مائة عام أن الأمراض المُعدية ، التي كانت تفتك بشعوب أوروبا ، سببها عضويات حية مجهرية ، ففي سنة 1876 كلف كوخ ببحث وباء الجمرة الخبيثة Anthrax للكشف عن مسببه ، إذ كان حينذاك منتشراً في القارة الأوروبية ، وعرف هذا الوباء بإصابة الآلاف من رؤوس الأغنام والماعز والخنازير وكذلك بقدرته على إمراض المزارعين الذين يقومون بتربية هذه الحيوانات.
بدأ " كوخ " أولى تجاربه بتنمية بكتيريا الجمرة الخبيثة في خارج جسم الحيوان ، ولاحظ نموها تحت مجهره ، ثم حقنها في فئران فماتت وعندما فحص الفئران وجد فيها أعدادًا كبيرة من البكتيريا نفسها التي حقنها بادئ الأمر في هذه الفئران ، وازداد ثقة واطمئنانًا بأن هذه البكتيريا هي بذاتها المسببة للداء .
أعاد كوخ التجربة عدة مرات على حيوانات أخرى مثل الأبقار ، وتوصل إلى النتيجة نفسها ، وهكذا برهن على أن البكتيريا هي التي تسبب مرض الجمرة الخبيثة ، وبعد أن نشر كوخ اكتشافاته ، قام العلماء بدراسة الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان ، وتم التوصل إلى أن البكتيريا تسبب عددًا من الأمراض للإنسان ، مثل الدفتيريا ، والكوليرا ، والحمى التيفوئيدية .
اكتشافه لمسبب مرض السل :
اكتشف كوخ بنفسه البكتيريا المسببة لمرض السل ، الذي حير العلماء قديما لعجزهم عن معرفة أسبابه ، حتى اكتشف كوخ الجرثومة المسببة للسل عام 1882 وأثبت أن هذه الجرثومة يمكنها إحداث تغيرات مرضية في مختلف أعضاء الجسم مثل الحنجرة والأمعاء والجلد ، كما تمكن من استخلاص مادة التيوبركولين tuberculin من جرثومة السل ، وهي المادة التي تستخدم حتى اليوم في تشخيص مرض السل وتحديد ما إذا كان الشخص محصناً ضد المرض أو سبق له الإصابة به .
خلال فترة عمله كمستشار صحى للإمبراطورية البروسية فى برلين فى ثمانينات القرن التاسع عشر ، قام كوخ بأبحاثه على مرض السل ، وكان الإعتقاد السائد وقتها أن السل مرض وراثى ، إلا أن كوخ كان على يقين من أن المرض معدى وينشأ عن طريق بكتيريا ، فاستخدم مسلماته الأربعة وطبقها على خنازير غينيا ، والتى انطبقت عليها تماماً ، فنشر أبحاثه تلك عام 1882 ، حيث اكتشف العامل المسبب لهذا المرض ، وتمكن من إبطاء نموه أو تضعيفه ، وهذا بالتحديد ما جعله جديراً بجائزة نوبل فى الفسيولوجيا والطب عام 1905 م ، بالإضافة الى ذلك ، فأبحاثه على السل مع أمراض المناطق الحارة ، جعله يفوز بأعلى وسام بروسى ( ألمانى ) فى عام 1906 م ، وميدالية روبرت كوخ التى تم تخصيصها تكريماً له فى عام 1908 م .
إكتشافه لمسبب الكوليرا :
تحول إنتباه كوخ بعد ذلك الى الكوليرا ، وبدأ بإجراء بحوثه حولها فى مصر ، على أمل أن يعزل العامل المسبب للمرض ( إذ كان الوباء منتشراً وقتها فى مصر ) ، ومع ذلك لم يتمكن من من إنجاز مهمته قبل انتهاء الوباء فى مصر ، فاضطر للسفر الى الهند لمواصلة أبحاثة ، إذ تمكن هناك من تحديد العامل المسبب لهذا المرض (Vibrio cholera )