فالتحق فيشر بجامعة بون في عام 1871، لكنه تحول إلى جامعة ستراسبورج في عام 1872 م ، وحصل على الدكتوراه في عام 1874 على يد الكيميائى ( أدولف فون باير ) مكتشف ( الفينول فيثالين) والحائز على جائزة نوبل فى الكيمياء عام 1905 م على إكتشافه ، عمل معه فيشر على دراسة ( الفيثالين ) وهو دليل كيميائى لإكتشاف الأحماض والقلويات ، يكون عديم اللون في الوسط الحمضي ووردي في الوسط المتعادل وأحمر في الوسط القاعدي .
بعد حصوله على الدكتوراه عين فيشر في جامعة ستراسبورج ، ثم إنتقل مع ( باير ) الى جامعة ميونخ عام 1875 م ليصبح مساعداً له فى دراسة الكيمياء العضوية ، وفى هذا العام اكتشف فيشر ( فينيل الهيدرازين ) ، ولعب هذا المركب دورا هاماً في أبحاث فيشر في وقت لاحق على السكريات ، وبعدها بثلاثة أعوام تم تعيينه أستاذا مساعدا للكيمياء التحليلية بجامعة ميونخ ، وعرض عليه فى نفس العام رئاسة قسم الكيمياء بجامعة ( آخن ) لكنه رفضها .
في عام 1881 تم تعيينه أستاذاً للكيمياء في جامعة إيرلانجن ، حيث درس فيشر العناصر الفعالة فى الشاي والبن والكاكاو ، وهي مادة ( الكافيين والثيوبرومين ) ، وأوضح القواعد الأساسية لسلسلة من المركبات في هذا المجال .
في عام 1884 بدأ فيشر عمله على السكريات ، والتي كثفت المعرفة حول هذه المركبات ودمج المعلومات الجديدة التي تم الحصول عليها في كيان متماسك ، وكان أكبر نجاح له حصوله على الجلوكوز ، الفركتوز والمانوز من الجلسرين في عام 1890 م .
في عام 1885 أصبح فيشر أستاذاً للكيمياء في جامعة فورتسبورج حتى عام 1892، لينتقل بعدها الى جامعة برلين رئيساً لكرسي الكيمياء حتى وفاته في عام 1919 على إثر التسمم بالفينيل هيدرازين ، وهو أحد المواد الكيميائية التى عمل طويلاً على دراستها ، وله تأثيرات مسممة للدم وتسبب أكزيما الجلد ، كما يستعمل الفينيل هدرازين كمادة أساسية في تحضير المركبات الحلقية المتغايرة التي تعد مشتقاتها مستحضرات دوائية .
وترتكز شهرة فيشر بصورة أساسية على دراسته للبيورينات والسكريات ، التى لم تكن معروفة فى ذلك الوقت ، مثل الأدينين والزانثين والكافيين والجوانين وحمض البوليك ، وأظهر أن هذه المركبات تنتمى الى عائلة واحدة متجانسة ، ويمكن أن تستمد من بعضها البعض ، وأنها تتوافق مع مختلف مشتقات الهيدروكسيل والمركبات الأمينية الأساسية التى تعتمد على النيتروجين فى تكوينها ، وأطلق عليها اسم البيورينات في عام 1884، وتمكن من تصنيعها فى عام 1898 م ، مع العديد من المشتقات الصناعية الأخرى ، بعد دراسات معملية استمرت منذ 1882 الى 1896 م .
في عام 1897 طرح فيشر فكرة لإنشاء اللجنة الدولية الأوزان الذرية ، كما حصل أيضا على وسام الاستحقاق البروسي ووسام ماكسيميليان للفنون والعلوم ، قبل أن يحصل على جائزة نوبل فى الكيمياء عام 1902 م ، لأبحاثه على السكر وتجميع البيورين .
وفى الفترة من 1899 م الى 1908 م ، أسهم فيشر بشكل كبير فى معرفة خصائص البروتينات ، وذلك بفصل الأحماض الأمينية الفردية والتعرف عليها ، واكتشف أنماط جديدة لدورة الأحماض الأمينية مثل البرولين والهيدروكسى برولين ، كما درس أيضاً تركيب البروتينات عن طريق التعرف على الأحماض الأمينية بصرياً من أجل توحيد طرق التعرف عليها ، كما أسس لنوع الروابط التى تجمع بينها ووضعها فى سلاسل ، لا سيما الروابط الببتيدية .
في عام 1901 اكتشف ، بالتعاون مع ( إرنست فورنيو ) طريقة تركيب ثنائي الببتيد ، جليسيل الجليسين ، وفي هذا العام أيضا قام بنشر عمله على التحلل المائي لبروتين الجبن ، فعن طريق فيشر ، تمت محاكاة الأحماض الأمينية الموجودة في الطبيعة ، وتصنيعها في المختبر ، كما تم اكتشاف أنواع جديدة منها ، مما أدى إلى فهم أفضل للبروتينات وضع الأسس للدراسات العديدة اللاحقة .
بالإضافة إلى عمله في المجالات التي سبق ذكرها ، درس فيشر الانزيمات والمواد الكيميائية في الطفيليات التي وجدها خلال زيارته أيام العطل المتكررة في منطقة الغابة السوداء ، وكذلك المواد المستخدمة في الدباغة والدهون ، وخلال السنوات الأخيرة من حياته اقترح ما سمى ( نموذج القفل والمفتاح ) لتصوير الركيزة الأساسية فى تفاعل الإنزيم | ورغم ذلك ، لم تدعم الدراسات اللاحقة هذا النموذج في جميع التفاعلات الأنزيمية .
وكان لفيشر أيضا دور أساسي في اكتشاف الباربيتورات ، وهى فئة من العقاقير المهدئة المستخدمة للأرق ، والصرع ، والقلق ، والتخدير ، جنبا إلى جنب مع الطبيب جوزيف فون ميرينغ فى عام 1904 م .
حياته الخاصة :
في سن ال 18 ، قبل ان ينتقل الى جامعة بون ، عانى فيشر من التهاب معدي ، هاجمه مرة أخرى قرب نهاية فترة عمله في إيرلانجن ، وتسبب له في رفض عرض مغري بالعمل مع البروفيسور ( فيكتور ماير ) فى الجامعة الفيدرالية للتقنية بزيورخ ، فحصل على إجازة لمدة سنة قبل ذهابه في عام 1888، إلى جامعة فورتسبورج ، وقد تميز خلال حياته بذاكرته القوية ، التى مكنته من حفظ مخطوطات المحاضرات التى كتبها ، على الرغم من أنه لم يكن متحدثاً لبقاً ، وقد كان سعيداً جداً فى فورتسبورج التى استمتع فيها بروعة التلال والزيارات المتكرره الى الغابة السوداء .
وبتوليه بعض المناصب الإدارية فى جامعة برلين ظهر جانب آخر من شخصيته العنيده ، كداعية الى تأسيس منهج علمى ليس فى مجال الكيمياء وحدها ، بل فى العديد من المجالات الأخرى ، فبفهمه العميق للمشكلات العلمية ، وحدسه وحبه للحقيقة ، وإصراره على التجربه العمليه لكل نظريه أو فرض علمى ، جعله واحداً من أهم العلماء على مر العصور .
تزوج فيشر فى عام 1888 من ( أجنز جيرلاخ ) ابنة ( جوزيف فون جيرلاخ ) ، أستاذ التشريح في جامعة ( إيرا لانجن ) ، والتى توفيت بعد سبع سنوات من زواجهما ، وأنجب منها ثلاثة أبناء ، توفى أحدهما فى الحرب العالمية الأولى ، وانتحر الثانى فى سن الخامسة والعشرين بسبب إجباره على الإلتحاق بالخدمة العسكرية ، أما ابنه الثالث ( هيرمان أوتو فيشر ) فقد عمل أستاذاً للكيمياء العضوية فى جامعة كاليفورنيا من عام 1948 وحتى وفاته فى عام 1960 . وقد توفى ( فيشر ) فى 15 يوليو من عام 1919 م ، بسبب التسمم الذى لحقه من جراء أبحاثه على الفينيل هيدرازين .