عبد الله بن سعد بن أبى سرح | فاتح النوبة وإفريقيه

عبد الله بن سعد بن أبى سرح عبد الله بن سعد بن أبى سرح عبد الله بن سعد بن أبى سرح

هو عبد الله بن سعد بن أبى سَرْح ، واسمه الحُسام ،  والحسام بن الحارث بن حُبَيب بن جَذيمة بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لُؤي ، أبو يحيى العامرى ّعامر قريش ، ولى إمرة مصر بعد عزل عمرو بن العاص فى سنة خمس وعشرين ، من قبل عثمان بن عفان .

وجاءه الكتاب بالولاية وهو بالفيوم ، فجعل لأهل الجواب جُعلاً فقدموا به الى مصر ، وسكن الفسطاط ومكث أميراً على مصر مُدة ولاية عثمان بن عفان كلها وهو أخو عُثمان لأمُه ، قال بن كثير : وهو الذى شفع له يوم الفتح حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه .

ولما ولى مصر أحسن السيرة فى الرعية ، وكان جواداً كريماً ، ثم أمره عُثمان أن يغزو أفريقية ، فإذا افتتحها كلن له خُمس الخُمس من الغنيمة نفلاً ، فسار عبد الله بن أبى سرح الى إفريقيه فى عشرة آلاف ، وغزاها حتى افتتح سهلها وجبلها وقتل خلقاً كثيراً من أهلها ، ثم اجتمعوا على الطاعة والإسلام وحَسُن إسلامهم ، وأخذ عبد الله بن أبى سرح خُمس الخُمس من الغنيمة ، وبعث بأربعة أخماسه الى عُثمان ، وقسم أربعة أخماس الغنيمة فى الجيش فأصاب الفارس ثلاثة آلاف دينار ، والراجل ألف دينار .

قال الواقدى : وصالحه بِطرِيقُها على ألفى ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ، فأطلقها عُثمان كُلُها فى يوم واحد فى آل الحَكَم ، ويقال فى آل مروان ، ثم غزا عبد الله بن سعد إفريقة ثانية فى سنة ثلاث وثلاثين حين نقض أهلها العهج حتى أقرهم على الإسلام والجزية ، واستشهد معه فى هذه المره بإفريقية جماعة منهم : مَعبد بن العباس بن عبد المطلب وغيره .

ثم غزا فى سنة أربع وثلاثين ( أو واحد وثلاثين فى روايات أخرى ) غزوة ذات الصوارى فى البحر من ناحية الأسكندرية ، فلقيه قسطنطسن بن هرقل فى ألف مركب ، وقيل فى سبعمائه ، والمسلمون فى مائتى مركب ، وتقاتلا فانتصر الأمير عبد الله وهَزم الروم ، وإنما سميت غزوة ذات الصوارى لكثرة صوارى المراكب واجتماعها .

وعاد الى مصر فبلغه فى سنة خمس وثلاثين خبر من ثار على عثمان رضى الله عنه ، ودخل منهم طائفة الى مصر بأمر عثمان ، وكان قد أخرج منهم جماعة الى البصرة والشام ومصر ، فلما قدم من قدم منهم الى مصر وافقه جماعة من المصريين على خلاف عثمان كُرهاً فى ابن أبى سرح هذا لكونه ولى بعد عمرو بن العاص ، وأيضاً لإنشغاله عنهم بقتال أهل المغرب وفتح بلاد البربر وأندلُس وإفريقية وغيرها ، ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حرب عثمان وحرب بن أبى سرح ، واجتمعوا واستنفروا من مصر فى ستمائة راكب يذهبون الى المدينة فى صفه معتمرين فى شهر رجب لينكروا على عثمان ، وساروا الى المدينة تحت أربع رايات ، وأمرُ الجميع الى عمرو بن بُديل بن ورقاء الخُزاعى ، وعبد الرحمن التُجيبى ، وأقبل معهم محمد بن أبى بكر الصديق ، وأقام بمصر محمد بن حُذيفة يؤلب الناس ويدافع عن هؤلاء ، فكتب ابن أبى سرح الى عُثمان يُعلمه بقدوم هؤلاء القوم الى المدينة مُنَكَّرين عليه فى صفة مُعتمرين ، فوقع لهم مع عُثمان رضى الله عنه أمور يطول شرحها ، الى أن سألوا عثمان عزل عبد الله بن أبى سرح عن ولاية مصر وتولية محمد بن أبى بكر الصديق ، فأجابهم الى ذلك ، فلما رجعوا وجدوا فى الطريق بريدياً يسير فأخذوه وفتشوه ، فإذا معه فى إداوة ( إناء صغير يُحمل فيه الماء ) كتاب كتبه مروان بن عبد الحكم كاتب عثمان وابن عمه ، والكتاب على لسان عثمان ، فيه الأمر بقتل طائفة منهم وصلب آخرين وقطع أيدى آخرين منهم وأرجلهم ، وكان على الكتاب طبع خاتم عثمان ، والبريد أحد غُلمان عثمان وعلى جمله ( يقول الطبرى أنه أبو الأعور السلمى ) فلما رجعوا جاؤوا بالكتاب الى المدينة وداروا به على الناس ، فكلم الناس عثمان فى أمر الكتاب فقال عثمان ما معناه أنه دُلِس عليه الكتاب ثم قال : والله ولا كتبته ولا أمليته ولا دريت بشئ من ذلك ، والخاتم قد يُزور على الخاتم ، فصدقه الصادقون وكذبه الكاذبون فى ذلك .

واستمر ابن أبى سرح على عمله على كُره من المصريين الى أن خرج من مصر متوجهاً الى عثمان بعد أن استخلف عليها عُقبة بن عامر الجُهنى .

وقتل عثمان رضى الله عنه واستُخلف على رضى الله عنه ، فعزل ابن أبى سرح عن مصر وولاها لقيس بن سعد بن عُبادة رضى الله عنهما .

استولى على مصر جماعة من قبل على بن أبى طالب سنة خمس وثلاثين  ، وفيه عُزل عبد الله ابن أبى سرح عن مصر فى أحد الأقوال ، وفيها توجه عبد الله ابن أبى سرح الى عثمان واستخلف على مصر عُقبة بن عامر الجُهنى وقيل السائب بن هشام العامرى ، وجعل على خراجها سُلَيم بن عَتر أو عُمير الُّجيبى ، وكان ذلك فى رجب من سنة خمس وثلاثين ، وسار الى عُثمان فاستمر أمر مصر مستقيماً الى شوال من النة .

وفى هذا العام خرج محمد بن أبى حُذيفى بن عُتبة بن ربيعة على عُقبة بن عامر خليفة عبد الله ابن أبى سرح على مصر وملك مصر ، وفى هذا العام كانت مقتلة عُثمان بن عفان رضى الله عنه فى ذى الحجة منها .

وأما عبد الله ابن أبى سرح صاحب الترجمة ( يقول ابن تغرى بردى )  : فلم أقف له على خبر بعد ذلك ، غير أن بعض المؤرخين ذكروا أنه تُوفى بفلسطين فى سنة ست وثلاثين المذكورة ، ويقال غير ذلك أقوال كثيرة منها :

قال الحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلانى فى الإصابة : روى الحاكم من طريق السُدِّى عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : لما كان يوم فتح مكة أمن النبى صلى الله عليه وسلم الناس كلهم إلا أربعة نفر وإمرأتين : عكرمة وابن خَطل ومِقيس بن صُبابة وعبد الله ابن أبى سرح ، وذكر الحديث ، قال : فأما عبد الله فاختبأ عند عُثمان فجاء به عُثمان حتى أوقفه على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يُبايع الناس ، فقال : يا رسول الله بايع عبد الله ، فبايعه ثلاث ، ثم أقبل على أصحابه فقال : أما فيكم رشيد يقوم الى هذا حيث رآنى كففت يدى عن مبايعته فيقتله .

ومن طريق يزيد النحوى عن عكرمة عن بن عباس قال : كان عبد الله ابن أبى سرح يكتب للنبى صلى الله عليه وسلم ، فأزله الشيطان فلحق بالكفار ، فأمر به رسول الله أن يُقتل ( يعنى يوم الفتح ) فاستجار له عثمان فأجاره النبى صلى الله عليه وسلم ، أخرجه أبو داوود .

وروى ابن سعد من طريق ابن المسيب قال : كان رجل من الأنصار نذر إن رأى عبد الله ابن أبى سرح أن يقتله ، فذكر نحواً من حديث مصعب بن سعد عن أبيه .

وروى الدارقطنى من حديث سعيد بن يربوع المخزومى نحو ذلك ، ومن طريق الحكم بن عبد الله عن قتادة عن أنس بمعناه ، وأوردها ابن عساكر من حديث عثمان بن عفان أيضاً ، وأفاد سِبط ابن الجَوزْزى فى ( مرآة الزمان ) أن الأنصارى الذى قال : فهلا أومأت إلينا ، هو عباد بن بِشر ، ثم قال : وقيل : إن الذى قال هو عُمر .

وقال ابن يونس : شهد فتح مصر واختط بها ، وكان صاحب الميمنة فى الحرب مع عمرو بن العاص فى فتح مصر ، وله مواقف محمودة فى الفتوح ، وأمرَّه عثمان على مصر ، ولما وقعت الفتنة سكن عسقلان ولم يُبايع لأحد ، ومات بها سنة ست وثلاثين ، وقيل : كان قد سار من مصر الى عُثمان واستخلف السائب بن هشام بن عمرو فبلغه قتلُه ، فرجع فتغلب على مصر محمد بن أبى حُذيفة فمنعه من دخلوها ، فمضى الى عسقلان ، وقيل الى الرملة ، وقيل بل شهد صفين ، وعاش الى سنة سبع وخمسين . ذكره ابن منده .

وقال البَغَوى : له عن النبى صلى الله عليه وسلم حديث واحد وخرجه ( وفى الإصابة : وحرفه ) ووقع لنا بعلو فى المعرفة لابن منده .

ـــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : النجوم الزاهرة فى أخبار ملوك مصر والقاهرة ، الجزء الأول طبعة وزارة الثقافة والإرشاد القومى

Read 4069 times