أجندة سيد الأهل حدوتة الثورة المصرية

Rate this item
(0 votes)

أجندة سيد الأهل  أحمد صبرى أبو الفتوح من مواليد محافظة الدقهلية فى العام  1953، عمل وكيلا للنائب العام ، وتدرج في مناصب القضاء وبالمحاماة ، عرفته الحياة الأدبية المصرية ، بعد أن حصلت روايته " ملحمة السراسوة " ( الخروج ) على جائزه ساويرس لكبار الأدباء فى العام 2010. وقبل هذه الرواية أصدر" وفاة المعلم حنا " مجموعة قصصية، ورواية طائر الشوك "، ورواية بعنوان "جمهورية الأرضين " روايته الصادرة حديثا "أجندة سيد الأهل" التي لاقت استقبالا طيبا في الأوساط الأدبية، هي الآن أهم وأكبر عمل أدبي تعامل مع الثورة المصرية.

تدور أحداث الرواية ما بين يوم 25 يناير حتى يوم 2 فبراير أو ما اصطلح على تسميته بيوم موقعه الجمل، تبدأ الرواية بحوار بين بعض البلطجية وهم خلف قضبان أحد أقسام الشرطة يتناولون فيه ما دار من أحداث عمت الشارع، وكيف أن المظاهرات فى كل مكان، وتامر العبد الشهير بـ " تيمور الناعم " وسليمان الحكيم الشهير بـ " سليمان اللنش " وسيد القشاش، وأخير رفاعه سيد الأهل بطل الرواية ومحور الأحداث  ، وتفتح الرواية الباب أمامنا لندرك أبعاد هذا العالم الخفى الذى كان يتكىء عليه النظام السابق فى توطيد أواصر حكمه، مستخدمًا إياه فى ضرب معارضيه والقضاء عليهم. 

يعتبر أحمد صبري أبو الفتوح - الذي مارس النشاط السياسي منذ الحركة الطلابية الكبرى في السبعينيات - أن ثورات الربيع العربي لا تزال في بداية الطريق . ويقول أبو الفتوح: "أنا لا أحب وصف ما حدث بالربيع العربي أو المصري، فاستدعاء هذا التعبير يذكرني بالتأثير الأمريكي، فكأنما قامت الثورات العربية ضد التسلط والدكتاتورية بتحريض وتشجيع أمريكيين. وهذا فى مجمله ليس صحيحا، فالثورات العربية في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين وسورية قامت لأسباب داخلية أنضجت ظرف الثورة، بعضها لقي ترحيبا غربيا وأمريكيا وبعضها شهد صمتا مريبا.

ويرى أن الثورات العربية الحالية لا تزال "في طور التشكل ولم تكتمل بعد، بمعنى أن الثوار لم يقبضوا على أدوات الحكم ليبدأوا في تنفيذ برنامج الثورة، بل إن النظام الذي سقط رأسه في مصر مثلا لا يزال يقبض على أدوات الحكم ويقود ثورة مضادة بكل المقاييس".

ويقول إن "من المبكر جدا الحديث عن تأثير الثورات العربية والثورة المصرية بالأخص على الإبداع عموما والرواية على نحو خاص. إذ الثورات لم تكتمل ولا تزال تتشكل، فالإبداع الأدبي عموما والروائي منه بالذات يكون سطحيا ومباشرا كلما كان الظرف لم يكتمل نضجه".

فخ المباشرة الذي بدا أبو الفتوح واعيا به، لم يمنع كبار القامات في التاريخ الأدبي والروائي خاصة من إنتاج أعمال كبرى عن الثورة: فيكتور هوغو (البؤساء – 1893)، وتشارلز ديكنز (قصة مدينتين)، وهناك أيضا ما كتب عن الثورة الروسية مثل (الدكتور جيفاغو) للويس باسترناك.

السؤال الإبداعي الذي واجه أحمد صبري أبو الفتوح هو كيف يكتب عن الثورة بشرط أن يكون ما يكتبه عملا روائيا أولا، يستمد قيمته من موقعه في الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه، أكثر من الموضوع الذي يكتب عنه.

وتجربة "أجندة سيد الأهل" جد مختلفة، كما يقول، "فأنا من اليوم الأول، يوم 25 يناير 2011 كنت مستيقظا جدا، وعيناي مفتوحتان على اتساعهما. لذا لم أمد الأحداث إلى يوم تنحي حسني مبارك، حتى لا يظن القارئ أنني أكتب عن الثورة بصورة مباشرة".

ويضيف: "لقد رأيت بعيني بوادر ظهور البلطجية منذ اليوم الثالث من أيام الثورة، لما أخرجهم النظام من غياهب السجون وحبوس الشرطة لينقضوا على الثوار ويعملوا فيهم القتل. أغراني نزقى أن أكتب عن البلطجية، كيف تشكلوا، ووقفت منهم موقف الفاحص المدقق، لا أقول المحايد، واكتشفت مع خيالى الروائى أن أقف على سر ظاهرتهم الرهيبة، التى لاتزال تصبغ وجه الحياة الثورية في مصر، كأننى أكتب عن بؤسائنا نحن على غرار ما كتب هوغو وديكنز عن بؤساء باريس.

لذا فإن سيد الأهل "برغم كونها فى صميم الثورة فإنها تتعمق فى دواخل البلطجية وتجرى تشريحا نفسيا واجتماعيا وثقافيا للشخوص التى كتبتها. وأعتقد كما يقول النقاد أننى حققت نجاحا لا بأس به فى تجنب المباشرة والسطحية"، كما يقول.

الواقع الأدبي في السنوات الأخيرة انشغل في مواضيعه بالتفاصيل الصغيرة، والأبطال الصغار، أبطال الحياة اليومية والنفسية التي تحمل اعتيادياتها مفارقات ضخمة قادرة على تفجير الإبداع.

ربما يكون هذا سببا في ظاهرة الصمت العام الذي شمل استجابة المبدعين في فنون الكتابة خاصة إزاء الثورة. فقد فاجأهم الحدث الكبير، وجعلهم يبدون عاجزين عن التعامل معه كقضية كبرى بعد أن تعودت أدواتهم على تصوير الحدث الصغير، والنفس المغتربة في ذاتها.

"المثقفون إلى حد ما لم يتحدثوا عن فعل الثورة بعد، أنا لا أسمى هذا اللغط الإعلامى حضورا ثقافيا في قلب الأحداث، إنه سباق للشهرة وشهوة الظهور الإعلامى لا أكثر"، يقول أبو الفتوح. لكن المتدبرين لم يقولوا كلامهم بعد، ربما سيقولونه فى صورة فنية، وربما ألجمتهم مفاجأة الثورة وتطورات الاحتيال عليها وسرقتها، ثم اكتشاف أن النظام اليمينى الفاشي الحاكم الذي قامت الثورة لخلعه لا يزال يقود القاطرة، ويهوي بها إلى الحضيض، ويستدعي أكثر أنواع اليمين عفونة وفاشية ليقود مرحلة الانتقام من الثوار، لذا أنا أحترم صمتهم، وباستثناء سيد الأهل أنا أيضا ألتزم الصمت".

كمناضل شاب في حركة الطلاب السبعينية، ينظر صبري أبو الفتوح من كهولته إلى ثورة شباب 2011، ويعتبرها اتصالا أكثر مما هي انقطاع عما قبلها.

ويوضح قائلا: "في السبعينات كانت الخريطة مختلفة، ثورة يوليو كانت تعاني الهزيمة والتحقق في نفس الوقت، هزيمة يونيو والتحقق من خلال أحلام وآمال خبت لكنها لم تنطفئ. لذا كنا نهدم ثورة السادات المضادة، ونفضح ممارساته وأكاذيبه، فهو من عبث بالنسيج الاجتماعي للشعب المصري، وهو من استدعى المتسربلين بالدين شوقا لكعكة الحكم، وهو من جاهد ليفشل القطاع العام ليبيعه، وهو من سلم مقادير البلاد لعدوها الأمريكي، وهو من خان حليفه السوفييتي ودق أول مسمار في نعشه، وهو من ضرب التضامن العربي الهش في مقتل. وفضحنا كل هذا، وتحملنا كل الصعاب، مصيبة الأجيال الشابة أنها تربت على أيدي الليبراليين الذين يلفقون التاريخ، فالحركة الثورية والطلابية والعمالية في السبعينيات كانت في مجملها يسارية قومية.

فهل تظن أن يدرس الليبراليون لأحفادهم وأبنائهم وتلامذتهم هذا؟

يرد ابو الفتوح: "أعتقد أن التلفيق والانتقاء الأقرب إلى التزوير هو سبب إنكار جيل الثورة الحالي نضال الأجيال السابقة، حتى أن البعض منهم يقفز من ثورة 19 إلى ثورة يناير مباشرة، وكأن لا شىء حدث على مدى تسعين عاما. أرتعد خوفا مما سيفعلونه في مناهج التاريخ الذي سيدرسونه للتلاميذ في المدارس.

ويبين: "إن تراث يوليو هو في الحقيقة تراث مشترك، فإسهام الناصريين في التنمية والتحرر لا ينفصل عن إسهام الماركسيين في ذات التحرر وتثقيف الأجيال الشابة في ذلك الوقت، ولا عن الإبداع الفني والأدبي الذي ميز المرحلة، ولا عن نمو الروح الوطنية والقومية، ولا عن الإسهام في حركات التحرر العالمية".

وينهي حديثه بالقول: "إنه تراث مشترك، شارك فيه كل الوطنيين، من ناصريين وماركسيين ووطنيين وقوميين. لذا أعود إلى القول إن ما فعله الليبراليون وهم يشوهون أذهان الأجيال الشابة أقرب إلى الجريمة منه إلى الانتقام السياسى".

Read 3907 times