قصة الأحبار

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: وكانت الأحبار والرهبان أهل الكتابين هم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وزمانه الذي يترقب فيه من العرب، لما يجدون في كتبهم من صفاته، وما أثبت فيها عندهم من اسمه، وبما أخذ عليهم من الميثاق له في عهد أنبيائهم وكتبهم في اتباعه، فيستفتحون به على أهل الأوثان من أهل الشرك، ويخبرونهم أن نبياً مبعوثاً بدين إبراهيم اسمه أحمد، كذلك يجدونه في كتبهم وعهد أنبيائهم، يقول الله تبارك وتعالى:

 الذي يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم إلى قوله: "أولئك هم المفلحون" وقال الله تبارك وتعالى: "وإذ قال عيسى بن مريم يا بني اسرائيل" الآية كلها، وقال "محمد رسول الله والذين معه" الآية كلها، وقوله: "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا" إلى قوله: "فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين".

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: وكانت العرب أميين لا يدرسون كتاباً، ولا يعرفون من الرسل عهداً، ولا يعرفون جنة ولا ناراً، ولا بعثاً ولا قيامة إلا شيئاً يسمعونه من أهل الكتاب، ولا يثبت في صدورهم، ولا يعلمون به شيئاً من أعمالهم ،  فكان فيما بلغنا من حديث الأحبار والرهبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل بزمان.

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال حدثني أشياخ منا قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا، كان معنا يهود، وكانوا آهل كتاب، وكنا أصحاب وثن، فكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن مبياً مبعوثاً الآن قد أظل زمانه نتبعه، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله اتبعناه وكفروا به، ففينا والله وفيهم أنزل الله عز
وجل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم الآية.

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني صالح بن إبراهيم ين عبد الرحمن بن عوف عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت قال: والله إني لإلام يفعة ابن سبع سنين أو ابن ثماني سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهودياً وهو على أطمه بيثرب، يصرخ: يا معشر يهود، فلما اجتمعوا إليه قالوا: ويلك مالك؟ قال: طلع نجم أحمد، الذي يبعث به، الليلة.

حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني صالح بن إبراهيم عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان بين أبياتنا يهودي، فخرج على نادي قومي بني عبد الأشهل ذات غداة، فذكر البعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان، فقال ذاك لأصحاب وثن لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت، وذلك قبيل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ويلك يا فلان، وهذا كائن، إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار، يجزون من أعمالهم؟ قال: نعم والذي يحلف به، لوددت أن حظي من تلك النار، أن توقدوا أعظم تنور في داركم فتحمونه، ثم تقذفوني فيه، ثم تطينون على، وإني أنجو من النار غداً، فقيل: يا فلان فما علامة ذلك؟ قال: نبي يبعث من ناحية هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن قالوا: فمتى تراه؟ فرى بطرفه فرآني وأنا مضطجع بفناء باب أهلي، فقال وأنا أحدث القوم إن يستنفذ هذا الإلام عمره يدركه، فما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وإنه لحي بين أظهركم فآمنا به، وصدقناه، وكفر به بغياً وحسداً، فقلنا له: يا فلان ألست الذي قلت ما قلت، وأخبرتنا؟ قال: ليس به.

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: هل تدري عما كان اسلام أسيد وثعلبة بني سعية، وأسد بن عبيد، نفر من هذيل، لم يكونوا من بني قريظة ولا النضير، كانوا فوق ذلك؟ فقلت: لا، قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان، فأقام عندنا، والله ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس خيراً منه، فقدم علينا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين، فكنا إذا قحطنا، وقل علينا المطر نقول: يا بن الهيبان اخرج فاستسق لنا، فيقول لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة، فنقول: كم؟ فيقول: صاعاً من تمر، أو مدين من شعير، فنخرجه، ثم نخرج إلى ظاهر حرتنا، ونحن معه فيستسقي، فو الله ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة، فحضرته الوفاة، فاجتمعنا إليه فقال: يا معشر يهود ما ترونه أخبرني من أرض الخمر والخمير إلى ارض البؤس والجوع؟ قالوا: أنت أعلم، قال: فإنما أخرجني، أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلاد مهاجره، فاتبعه، فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه، ثم مات فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة، قال أولئك الفتية الثلاثة، وكانوا شباباً أحداثاً: يا معشر يهود والله إنه الذي كان ذكر ابن الهيبان، فقالوا: ما هو به، قالوا: بلى والله إنه لصفته، ثم نزلوا فأسلموا، وخلوا أموالهم وأولادهم
وأهاليهم.

نا أحمد: قال: نا يونس عن ابن اسحق قال: كانت أموالهم في الحصن مع المشركين، فلما فتح رد ذلك عليهم. نا أحمد: نا يونس عن قيس بن الربيع عن يونس بن أبي مسلم عن عكرمة أن ناساً من أهل الكتاب آمنوا برسلهم، وصدقوهم، وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به، فذلك قوله تبارك وتعالى: فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانهم وكان قوم من أهل الكتاب آمنوا برسلهم وبمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث محمد آمنوا به فذلك قوله: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم.

Read 4645 times