حديث تبع الحميري

6 ـ حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: ثم إن تبعا أقبل من مسيره الذي كان سار يجول الأرض فيه، حتى نزل على المدينة، فترل بوادي قباء، فحفر فيها بئراً، فهي اليوم تدعى بئر الملك، وبالمدينة إذ ذاك يهود، والأوس والخزرج، فنصبوا له فقاتلوه، فجعلوا يقاتلوه بالنهار، فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضياقة وإلى أصحابه، فلما فعلوا ذلك به ليالي استحي، فأرسل إليهم يريد صلحهم،

فخرج إليه رجل من الأوس يقال له: أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبا بن كلده بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وخرج إليه من يهود بنيامين القرظي، فقال له أحيحة: أيها الملك نحن قومك، وقال بنيامن: أيها الملك هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها لو جهدت بجميع جهدك، فقال: ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء، يبعثه الله عز وجل من قريش، وجاء تبعاً مخبر خبره عن اليمن أنه بعث الله عليها ناراً تحرق كل ما مرت به، فخرج سريعاً، وخرج معه بنفر من يهود فيهم بنيامين وغيره، وهو يقول:

إني نذرت يميناً غير ذي خلف ألا أجوز وبالحجاز مخلد

حتى أتاني من قريظة عالم حبر لعمرك في اليهود مسود

ألقى إلي نصيحة كي أزدجر عن قرية محجورة بمحمد

حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان بالدف من جمدان، من مكة على ليلتين أتاه ناس من هذيل بن مدركة، وتلك منازلهم، فقالوا: أيها الملك ألا ندلك على بيت مملوء ذهباً وياقوتاً وزبرجداً تصيبه وتعطينا منه؟ فقال: بلى، فقالوا: هو بيت بمكة، فراح تبع وهو مجمع لهدم البيت، فبعث الله عز وجل عليه ريحاً فقفعت يديه ورجليه، وشجت جسده، فأرسل إلى من كان معه من يهود، فقالوا أحدثت نفسك بشيء؟ قال: نعم جاءني نفر منأهل هذا المترل رحنا منه، فدلوني على بيت مملوء ذهباً وياقوتاً وزبرجداً، ودعوني إلى تخريبه وإصابة ما فيه، على أن أعطيهم منه شيئاً، فرأيت لهم بذلك، فرحت، وأنا مجمع لهدمه، فقال النفر الذين كانوا معه من يهود: ذلك بيت الله الحرام، ومن أراده هلك، فقال: ويحكم فيما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك أن تطوف به كما يصنع به أهله وتكسوه وتهدى له، فحدث نفسه بذلك، فأطلقه الله عز وجل وقال في شعره:

بالدف من جمدان فوز مصعد حتى أتاني من هذيل أعبد

ذكروا إلي البيت، قالوا كنزه در ياقوت وفيه زبرجد

فأردت أمراً حال ربي دونه والرب يدفع عن خراب المسجد

ثم سار حتى دخل مكة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فأري في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف، وكان أول من كساه، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافري، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك، فكساه الوصائل، وصائل اليمن، وأقام بمكة ستة أيام أيام - فيما ذكر لي – ينحربها الناس، ويطعم من كان بها من أهلها ويستقيهم العسل، قال: فكان تبع فيما ذكر لي أول من كساه وأوصى به ولادته من جرهم، وأمرهم بتطهيره، ولا يقربوه ميتة، ولا دماً ولا مئلانا - وهو الحائض - وجعل باباً ومفتاحاً، وقال تبع في الشعر:

ونحرنا بالشعب ستة ألف ترى الناس نحوهن ورودا

وكسونا البيت الذي حرم الله ملاء معضداً وبرودا

وأقمنا بها من الشهر ستا وجعلنا لبابه اقليدا

وأمرنا به الجرهمين خيرا وكانوا لحافيته شهودا

وأمرنا ألا يقربن مئلانا ولا ميتاً ولا دما مفصودا

ثم سرنا نؤم قصد سهيل قد رفعنا لواءنا معقودا

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما أراد الشخوص إلى اليمن، أراد أن يخرج حجر الركن، فيخرج به معه، فاجتمعت قريش إلى خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فقالوا: ما دخل علينا يا خويلد أن ذهب هذا بحجرنا، قال: وما ذاك؟ قالوا: تبع يريد أن يأخذ السيف، وخرج وخرجت معه قريش بسيوفهم حتى أتوا تبعاً، فقالوا: ماذا تريد يا تبع إلى الركن؟ فقال: أردت أن أرج حتى أتوا الركن، فقاموا عنده، فحالوا بينه وبين ما أراد من ذلك، فقال خويلد في ذلك شعراً:

دعيني أم عمرو ولا تلومي ومهلاً عاذلي لا تعذليني

دعيني لا أخذت الخسف منهم وبيت الله حتى يقتلوني

فما عذرني وهذا السيف عندي وعضب نال قائمة يميني

ولكن لم أجد عنها محيداً وغني راهق ما أرهقوني

حدثنا أحمد قال: حدثنا يونس عن ابن إسحق، قال: ثم خرج متوجهاً إلى اليمن مدينتان يقال لاحدهما مأرب، والأخرى ظفار، وكان مترل الملك في مأرب مبيناً بصفائح الذهب، وكان مترله في ظفار، وكان مترل الملك في مأرب مبنياً بالرخام، وكان إذا شتى في مأرب، وإذا صاف، صاف في ظفار، وكانت مأرب بها ينشأ أبناء الملوك ويتعلمون الكلام، وكان ابن الحميري إذا بلغ قال: أرسلوا به إلى مأرب يتعلم المنطق، وكان في ظفار اصطوان من البلد الحرام مكتوب في أعلاها بكتاب من الكتاب الأول: لمن الملك، ظفار، لحمير الأخبار، فلما قدمها تبع نشرت يهود التوراة، وجعلوا يدعون الله عز وجل على النار حتى أطفأها الله عز وجل.

وكان لأهل اليمن شيطان يعبدونه، قد بنوا له بيتاً من ذهب، وجعلوا بين يديه حياضاً، فكانوا يذبحون له فيها، فيخرج، فيصيب من ذلك الدم، ويكلمهم، ويسألونه، فكانوا يعبدون فلما أطفأت يهود النار قالوا لتبع: إن ديننا هذا الذي نحن عليه خير من دينك، فلو أنك تابعتنا على ديننا، فقد رأيت أن إلهك هذا لم يغن عنك شيئاً، ولا عن قومك عند الذي نزل بكم، فقال تبع: فكيف نصنع به ونحن نرى منه ما ترون من الأعاجيب؟ قالوا: أفرأيت إن أخرجناه عنك تتبعنا على ديننا؟ قال: نعم، فجاءوا إلى باب ذلك البيت، فجلسوا عليه بتوراتهم ثم جعلوا يذكرون أسماء الله عز وجل، فلما سمع الشيطان، لم يثبت وخرج جهاراً حتى وقع في البحر، وهم ينظرون، وأمر تبع ببيته الذي كان فيه، فهدم، وتهود بعض ملوك حمير، ويزعم بعض الناس أن تبعاً قد كان تهود .

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن زكريا بن يحيى المدني قال: حدثنا عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: لا يشبهن عليكم أمر تبع، فإنه كان مسلماً.

Read 4071 times