إيليا ميتشنيكوف Élie Metchnikoff | جائزة نوبل في الطب سنة 1908 م

إيليا ميتشنيكوف Élie Metchnikoff عالم أحياء روسي مختص في علم التشريح وعلم الأحياء الدقيقة ، تحصل على جائزة نوبل في الطب سنة 1908 مناصفة مع العالم الألماني بول إرليخ  ، ولد ميتشينكوف فى 16 مايو 1845 فى قرية بالقرب من خاراكوف فى روسيا ، كان والده ضابطاً فى الحرس الإمبراطورى ، وكان من ملاك الأراضى فى سهوب أوكرانيا ، ووالدته ( نيفاخوفيتش ) كانت من أصل يهودى .

 أظهر ميتشنيكوف إهتماماً بدراسة التاريخ الطبيعى ( علم الأحياء ) وهو طالب بالمدرسة ، وكان يشرح لإخوته ولمجموعة من زملائه ما يستعصى عليهم فهمه ، وكان إهتمامه أكبر بعلم النبات وبالجيولوجيا ، وعندما تؤك المدرسة إلتحق بجامعة خاركوف  دارساً  لعلم الأحياء (البيولوجيا) ، واستطاع أن ينجز سنوات الدراسة الأربع فى سنتين فقط ، وبعد تخرجه ذهب أولا  لدراسة الكائنات البحرية فى هليجولاند ، وعندما بلغ عمره 19 سنة (1864) ذهب إلى جيسن بألمانيا ليعمل مع الأستاذ كارل رودلف ليوكارت ،  ثم ذهب بعد ذلك الى جامعة جوتنجن وأكاديمية ميونخ حيث عمل فى معامل زيبولد ، وعندما كان فى جيسن ، اكتشف فى عام 1856 م ، كيفية الهضم فى أحد الديدان المفلطحة واحدة الخلية ، وهو ما أثر لاحقاً على إكتشافاته التالية ، حيث تخصص في علم الأجنة في الحيوان وكتب رسالته العلمية في هذا التخصص ليقدمها إلى جامعة خاركوف ويحصل بها على دبلوم التخرج في البيولوجيا عام 1864، ثم واصل دراسته ليحصل على الماجستير في العلوم من جامعة سانت بطرسبورغ في روسيا عام 1867 ، ثم أعد أطروحته للدكتوراه فى نابولى عن التطور الجنينى فى الحبار والقشريات .

عاد ميتشينكوف الى روسيا فى عام 1867 وتم تعيينه محاضرا فى جامعة أوديسا الجديدة ، ومنها انتقل الى جامعة سانت بطرسبورج ، لكنه فى عام 1870 أختير للعمل كأستاذ فخرى لعلم الحيوان وعلم التشريح المقارن فى جامعة أوديسا .

التقى ميتشنكوف بزوجته الأولى ( لودميلا فيودوروفيتش ) فى سانت بطرسبورج ، وكان أن مرضت بالسل قبل زواجهما فاضطر الى نقلها على كرسى متحرك للكنيسة لحضور حفل الزفاف ، ولمدة 5 سنوات بذل قصارى جهده للحفاظ على حياتها ، لكنها توفيت فى 20 أبريل 1873 ، مما أثر كثيراً على صحته ونفسيته وعلى عمله بالجامعة ، بعد أن عانى من مشاكل صحية ونفسية قادته الى التفكير فى الإنتحار بتعاطى جرعة كبيرة من الأفيون ، لكنه لم يمت لحسن الحظ ، ففى أوديسا التقى بـ ( أولجا ) التى تزوج منها فى عام 1875 ، ولكنها أصيبت أيضاً فى عام 1880 بحمى التيفويد ، لكنها لم تمت ، فقرر أن يسلك طريقاً آخر لحياته للحفاظ على زوجته وعلى صحته التى باتت عليلة هى الأخرى ، فقرر معرفة كيف تنتقل هذه الحمى وكيف يمكن الوقاية منها أو تحصين الجسم ضدها .

فى عام 1882 ، وبعد شفائه من مرضه ، استقال ميتشينكوف من جامعة أوديسا بسبب الصعوبات التى عاناها فى الجامعة بسبب التصرفات الرجعية للحكومة عقب إغتيال الإمبراطور ألكسندر الثانى إمبراطور روسيا  ، فانتقل الى ميسينا ليستمر فى أبحاثه فى معمل خاص قام بإنشائه ، وكان عمله على علم الأجنة المقارن ، وهناك اكتشف ظاهرة البلعمة ( نوع من الخلايا يقاوم البكتيريا ويلتهمها ) وهى الظاهرة التى اقترنت باسمه فيما بعد ، إذ اكتشف خلايا حرة فى يرقات ( نجوم البحر) تعمل كوسيلة دفاعية لهذه الكائنات ، وليختبر هذه الفكرة قدم لها مجموعة من الأشواك ليجدها فى الصباح وقد أحيطت بهذه الخلايا المتجولة ، فتصور أنه عندما تحدث إصابة أو إلتهاب فى الحيوانات التى لديها أوعية دموية ، تقوم خلايا الدم البيضاء بالخروج من الأوعية ومهاجمة وهضم البكتيريا التى دخلت الدم .

ايليا ميتشينكوف فى معمله وفى طريق عودته الى أوديسا زار ميتشينكوف فيينا ، وشرح فكرته الى البروفيسور كلاوز ، أستاذ علم الحيوان هناك ، وهو من أطلق على هذه العملية إسم البلعمة ، ليتقدم بعدها بورقة بحثية الى جامعة أوديسا فى عام 1883 ، وبصرف النظر عن أهمية هذه الورقة البحثية فى علم المناعة ، إلا أن هذا الإكتشاف غير نظرة ميتشينكوف نفسه للحياة ، فتخلى عن فلسفة التشاؤم وحاول أن يقدم المزيد لإثبات فرضيته ، وهو ما وجد جزء منه فى برغوث الماء (Crustacean Daphnia) أحد قشريات المياه العذبة ، إذ وجد أن الفطريات التى تهاجمها ، يتم مهاجمتها هى الأخرى بواسطة الخلايا البالعة للقشريات ، ثم قام بدراسة عصيات الجمرة الخبيثة ،  فوجد أنواع شديدة الضراوة لا تهاجمها البالعات وأنواع أخرى أقل ضراوة تقوم البالعات بالتهامها .

فى خلال هذه الفترة تولى ميتشنكوف رئاسة المعهد الذى تم إنشاؤه فى أوديسا فى عام 1886 لإنتاج لاح باستير الخاص بالسعار أو مرض الكلب ، لكن كان هناك رفضاً من السكان المحليين لهذا العلاج ، فترك أوديسا فى عام 1888 واتجه الى باريس ليسأل ( لويس باستير ) النصيحة ،  وهناك أعطاه باستير معملاً  ومكاناً فى معهده ، إستقر فيه بقية حياته .

وبعيداً عن عمله على البلعمة ، فقد قام ميتشينكوف فى فترة مبكرة من حياته العلمية بنشر العديد من الأوراق البحثية عن علم الأجنة فى اللافقاريات ، ومثلها فى الحشرات نشرت فى عام 1866 ، ومثلها عن قنديل البحر نشرت فى عام 1886 .

وفى معهد باستير بباريس إنهمك ميتشينكوف فى أبحاثه لتدقيق نظريته عن خلايا المناعة ، والتى مثلها مثل كل عمل علمى عظيم واجهت عداءاً كبيراً فى البداية ، فقد نشر خلال هذه الفترة العديد من الأوراق البحثية ودراستين مقارنتين فى علم الأمراض عن الإلتهابات عام 1892 م ، كما نشر أطروحته ( المناعة فى الأمراض المعدية ) عام 1901 م ، وتوج عمله فى عام 1908 بالحصول على جائزة نوبل فى الطب أوعلم وظائف الأعضاء .

وبالإضافة الى عمله هذا ، أثبت مع ( روكس ) إمكانية إنتقال مرض الزهرى الى القرود ، وقام لاحقاً بإجراء دراسة على أحد أنواع النباتات فى أمعاء الإنسان ، وطور نظرية تقول أن الشيخوخة تحدث نتيجة لتسمم الجسم ببكتيريا معينة تحملها هذه النباتات ، ولمنع نمو هذه البكتيريا أوصى بنظام غذائى يحتوى على الحليب المخمر وبه بكتيريا تنتج حمض اللاكتيك ( اللبنيك ) وبمرور الوقت أصبح هذا النظام الغذائى أكثر شعبية .

حصل ميتشينكوف على العديد من التكريمات منها دكتوراه فخرية من جامعة كامبريدج ، ووسام كوبلى من الجمعية الملكية بوصفه أجنبياً ، وعضوية فخرية بالأكاديمية الطبية بباريس وكذلك بالأكاديمية العلمية والطبية فى سانت بطرسبورج ، بالإضافة الى عضويته فى العديد من الجمعيات العلمية ، وعضويته بالجمعية السويدية الطبية .

بداية من عام 1913 بدأت تنتاب ميتشينكوف نوبات قلبية متوالية الى أن توفى فى باريس بفرنسا فى 16 يوليو عام 1916 م .

جانب من خطاب تسلمه لجائزة نوبل  :

لويس باستير فى معمله مع ميتشينكوف صاحب الجلالة، أصحاب السمو الملكي، حضرات السيدات والسادة.

منذ وقت ليس بالبعيد ، ومن خلال هذا المكان تم وصف التطور الطبى فى كلمات موجزة ، وهى أن العلوم الطبية اليوم تحاول جاهدة أن تمنع الأمراض ، ومن أجل تحقيق هذا الهدف يجب توحيد الجهود من أجل الوصول الى مسببات الأمراض والقضاء عليها من ناحية ، ومن ناحية أخرى تدعيم مناعة الجسم لمقاومة الأمراض ، وبالنسبة للأمر الأخير ، فإمكانية الحصول على المناعة من مرض معين معروفة منذ وقت طويل ، فبمجرد إصابة شخص بمرض معدى وشفاؤه منه ، سيتخذ الجسم التدابير الكافية لعدم الإصابة به مجدداً مما يجعلنا نقول أن الجسم قد اكتسب مناعة ضد هذا المرض ، وفى التطور العلمى نجد خطوات فارقة بين بين هذه الملاحظة والمعرفة الحقيقية للتغيرات التي حدثت في الكائن الحي من خلال التحصين ، لإعطائه هذه المقدرة على المقاومة ، وهى اللحظة الفارقة فى التاريخ الطبى عندما قام ( إدوارد جينر ) منذ مائه عام بتطعيم الأبقار ضد الجدرى مما أعطاها مناعة من المرض ، الذى لا يمكن تحمله الآن  ، وعلى الرغم من أهمية اكتشاف جينر ، إلا أنه لم يعزز بدراسات عميقة عن المناعة وكيفية حدوثها ، وكانت المتطلبات الأساسية لدراسة المناعة منعدمة تماماً ، طبقاً لشروط البحث العلمى التى ينبغى عليها أولا تحديد أسباب المرض ، الى أن قام باستير وروبرت كوخ بعملهما الثورى الذى جاء بعد ثلاثة أرباع قرن من اكتشاف جينر الذى وضع حجر الأساس للتطورات الهامة الحديثة فى دراسة المناعة .

كان إيلى ميتشينكوف أول من تناول بوعى وبقصد من خلال تجاربه ، ودراسة مسألة أساسية بالنسبة للمناعة ، وهو كيف يقاوم الكائن الحي الميكروبات الحاملة للمرض بعد مهاجمتها له وتطوير نفسها ؟  فاقتصرت تجاربه في البداية على الحيوانات الدنيا ،  كان هذا هو الحال في عمله الهام بشأن نوع من العدوى في بعض الحيوانات المائية المجهرية ، أو ما يسمى براغيث الماء ، وإذا لم نعرف المبادئ الأساسية  وراء هذه الدراسات ، فستبدو بعيدة تماماً عن مجال الطب ،  ومع ذلك ، فقد كانت الخطوات الأولى لفهم ظاهرة المناعة فى الثدييات والبشر وهى ما مهدت الطريق لنظرية متشينكوف عن الخلايا البلعمية  (خلية حية تبتلع وتحطم المادة الأجنبية مثل الكائنات الدقيقة وحطامها بعملية تسمى البلعمة  ) وفقا لهذه النظرية ،  يتم تدمير الكائنات الحية الدقيقة بواسطة نشاط الخلايا في الكائن الحى ، فهناك  أنواع معينة من الخلايا في أجسام البشر والحيوانات ، تقوم باصطياد وتدمير الميكروبات التي نجحت في اختراق الجسم وسببت المرض ، كما تقلل أيضاً من سمية بعض هذه الميكروبات ، بالإضافة الى وظائف أخرى تقوم بها هذه الخلايا .

لا يمكننا هنا أن نعطى تقريراً شاملاً لتقييم نظرية البلعمة ، لكن الجانب المهم فى هذا البحث أنه تخصص فى دراسة نوع معين من الخلايا ، لعله التفسير الأهم والأول لظاهرة المناعة ، وتقديراً لدوره الرائد فى بدء البحوث الحديثة للإجابة عن سؤال المناعة والإتجاه صوب هذا النوع من الدراسات الجديدة والسعى لتطويرها ، فإن معهد كارولين يتمنى تشريفه بجائزة نوبل لهذا العام .

المصادر : موقع جائزة نوبل

Read 1695 times