الإعلام المصرى الى أين

الإذاعة المصرية فى الستينات منذ سبع سنوات قمت باستضافة الإعلامى الكبير / أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب الأسبق ، فى فترة الستينيات ـ يوم أن كان للإذاعة المصرية دور ـ فى برنامج ( مقامات شرقية)على قناة التنوير التى أغلقها السيد أسامة الشيخ رئيس إتحاد الإذاعة والتليفزيون عام 2008 :

أثناء تولى أنس الفقى لوزارة الإعلام ، والذى لم يعلم بغلقها إلا بعد شهر ونصف ، عندما أرسل أحد العاملين بمكتبه للحصول على الخطة البرامجية للقناة المغلقة ، ليفتتح بدلاً منها قناة ( نايل سينما ) حيث أننا نفتقد بشدة لهذا النوع من القنوات ، وكثرة القنوات الثقافية المفرطة .

ولفت انتباهى جملة معبرة عن وضعنا اليوم فى الإعلام المصرى عموماً ، وكان السؤال للأستاذ أحمد سعيد عن تراجع دور الإذاعة والتلفزيون المصرى ، عما كان الوضع عليه فى بداياته ، فرد قائلاً ، أن الإعلام هو عربة كبيرة كان مفتاحها المشروع القومى الكبير الذى أجهضته النكسة ، وإعلام اليوم هو قاطرة أكبر من عربة الأمس ، ولكنها بلا مفتاح ، لذا فهى إما مكانها ، أو أن العربات الأخرى سبقتها فى مضمار السباق .

ومشكلتنا الحقيقية فى التلفزيون المصرى بقطاعاته المتعددة ، وفى منظومة الإعلام المصرى كلها ، هى إفتقاد الرؤية والهدف والمشروع الذى سيدير هذه القاطرة ويحركها للأمام ، المشكلة ليست فى إختيار قيادة أياً كانت ، أو ترويج لقطاع معين ولقنواته ، وليست مشكلة إمكانيات ولا حتى مشكلة مادية ، فبوسع هذا المبنى أن يدر دخلاً أعظم من قناة السويس ، فقط لو تم وضع هدف ومعنى لما يقدم ، ووضع سياسة عامة يلتزم بها الجميع ، ضمن خطة وطنية ومشروع قومى يعبر بصدق عن آمال وطموحات الشعب المصرى ، لا أن يكون الهدف هو الربح بالبرامج التافهة عديمة القيمة والمضمون ، والتى اكتوينا بها لعقود وعقود ، القيمة الآن في ماذا تقدم ؟ وليست بأى شكل تقدم ما تريد ، لأن إشكالية الشكل والمضمون تم حسمها فى رأيى الشخصى بمستوى تقنى وفنى لا يمكن التراجع عنه ، لقد تخلى الإعلام الرسمى المصرى ( التلفزيون ) لسنوات طويلة عن دوره ( التثقيفى - التعليمى - التربوى - التنموى ) وركز لسنوات مضت على الجانب ( الترفيهى ، الإخبارى المتعلق بالقيادة السياسية ) فقط ، ليحظى بكل الرعاية والإهتمام .

إختفى دور الإذاعة فى قيادتها للموسيقى والغناء ، بعد أن كان كل الشرف لأى مطرب أنه معتمد فى الإذاعة ، وتركها للشركات الخاصة التى أتحفتنا بأتفه الأعمال وأسفها .

ولم ينتج المبنى على مدار سنوات وسنوات ما قد يصبح تراث فنى أو ثقافى للأجيال القادمة ، إلا فيما ندر من البرامج الوثائقية ، وهى نادرة جداً للأسف فى بعض أعمال الإنتاج المتميز أو قناة التنوير المغلقة، ناهيك عن تراجع الدراما المصرية فى السنوات الأخيرة ، بعد أن تربعت لعقود طويلة فى وجدان الشعوب العربية اعتماداً على ما كان لمصر من قوة ناعمة إبان قيادتها للمنطقة لا سيما فى فترة المد الثورى الناصرى ، وعندما تحول الإعلام الى سلعة ، تم الزج بالأعمال التافهة واحداً تلو الآخر ، والإفراط فى الأعمال التى تعتمد على النجم الأوحد ، حتى تهاوت الدراما المصرية تحت غزو الأعمال الجادة التى قدمتها الشقيقة سوريا ، أو الأعمال التركية والإيرانية المدبلجة للعربية .

أما على مستوى الأعمال البرامجية ، فحدث ولا حرج ، حيث تم التركيز على برامج المنوعات بمعناها الترفيهى فقط والبذخ عليها بدون وعى ، وبدون تفرد فى أفكارها ، وتقليدها لبعض البرامج الناجحة عربياً ، جعلها صورة ممسوخة بلا روح .

- حتى فكرة التخصص مثلاً ، وهى السائدة فى كل الدول المحترمة ، لن نجد لها ملمح واحد ، اللهم فيما ندر ، وخصوصاً بعد التضييق الكبير فى الخريطة البرامجية ، وعدم تجديد روح الشاشة بأفكار وبرامج جديدة بحجة الميزانية .

أما القنوات التعليمية والثقافية ، رغم ما لها من أهمية ودور أساسى وواجب وطنى وقومى ، وهذه ليست طنطنة كاذبة ، فنحن نحصل على مرتباتنا من دم دافعى الضرائب ، مقابل أن نقدم لهم خدمة جادة ، ثم نرفه عنهم بعد ذلك ، لا أن يتحول الترفيه للواجب الأول ، ثم لا نرى ملمحاً آخر ، هذه القنوات ولسنوات طوال يتم التعامل معها على أنها عبء على قطاع القنوات المتخصصة ، رغم ما يمكن أن تقدمه من دعم وتمويل يغطى تكلفة القطاع كله بقليل من العقل وحسن الإدارة والتسويق.

الشق الأهم وهو الجانب البشرى ، فقد تم اهماله تماماً ، إلا فيما ندر ، واختفت البعثات العلمية أو الدورات التدريبية الجادة ، حتى عندما تم التفكير فى تطوير المبنى اعتماداً على منحة من الإتحاد الأوروبى ، فكرت القيادات وقتها بدلاً من تطوير المعدات المتهالكة ، أو تطوير العنصر البشرى ، فكرت فى شراء الأعمال الفنية الجاهزة ، والإعتماد على عاملين من خارج الإتحاد ، هم فى الأساس موظفون بالمبنى تركوا عملهم بالداخل وتوجهوا للعمل فى القنوات الخاصة ، لزيادة مساحة الحرية ، وإمكانية أن يكون هناك تقدير للكفاءة بعيداً عن الواسطة والمحسوبية .

علينا بمنتهى الأمانة والإخلاص أن ننظر لأنفسنا نظرة جادة ، كل فى مجال تخصصة ، وأن نطور أنفسنا ونتسلح بالجديد من العلوم والخبرات فى مجالنا التخصصى من ناحية ، ومن ناحية أخرى الإلمام بما حولنا من مستجدات وتغيرات إجتماعية وسياسية وثقافية ، ومعرفة الجمهور الحقيقى الذى نقدم له خدماتنا الإعلامية ، ونحصل منه بمقتضاها على أجورنا ، وأزعم أن ما يحدث فى مصر والمحيط العربى منذ بداية هذا العام ، يعطى بارقة أمل فى الخروج من هذا المأزق الذى لن نخرج منه إلا بالتفكير خارج الصندوق وخارج القيم والتابوهات التى تربينا عليها داخل المبنى وخارجه ، وأن نفكر فى وضع فلسفة واقعية لمنظومة الإعلام المصرى ، قبل أن نفكر فيمن يدير هذه العربة ، وهو أياً من كان لن يستطيع ، لإنه لا يوجد مفتاح، ولا توجد مصداقية من الشارع لما يقدم على شاشاته المتعددة ، وهو ما يحتاج لفترة طويلة من العمل الجاد والمتواصل ، لإستعادة الثقة من ناحية ، وللعب دور حقيقى يخدم المواطن المصرى ويلبى حاجاته المعرفيه والثقافية .

نزار مغاورى - مخرج بالتلفزيون المصرى .

جانب من التسجيل مع الأستاذ / أحمد سعيد

من برنامج مقامات شرقية

 

 

 

Read 7193 times