باول إيرليش | جائزة نوبل فى الطب عام 1908 م

باول إيرليش ، طبيب ألمانى وعالم فى مجال أبحاث الدم ، وعلم المناعة والعلاج الكيميائى ، وهو من ابتكر تقنية صبغ البكتيريا بطريقة جرام * وهى الطريقة التى مكنت من التعرف على الأنواع المختلفة لخلايا الدم ، والتى قادت الى تشخيص العديد من أمراضه ، وتمكنت معامله من إبتكار عقار ( أرسفينامين ) ** أول عقار فعال لعلاج مرض الزهرى ، وهو بداية ما عرف بمفهوم العلاج الكيميائى ، وكما سماه إيرليش ( الرصاصة السحرية ) .

كما قدم إسهامات كبيرة فى تطوير مصل علاج مرض الدفتيريا وتصور منهجى لتوحيد الأمصال العلاجية ، حصل على جائزة نوبل فى الطب أو الفسيولوجيا فى عام 1908 مناصفة مع إيليا ميتشينكوف لإسهاماته فى علم المناعة . 

ولد باول إيرليش فى 14 مارس عام 1854 ، فى شتريلن بسيليزيا العليا بألمانيا ( تقع حالياً فى بولندا )  ،  وكان الإبن الثانى لوالده ( إيزمار إيرليش ) ، الذى كان يعمل فى تقطير الخمور وأوراق اليانصيب ، إضافة لكونه قائداً لمجتمع اليهود المحلى بالمقاطعة ، وعلى الرغم من ذلك أعطى إبنه إسماً مسيحياً ( باول أو بولس ) ، ولكنه لم يترك اليهودية ولم يهتم أيضاً بعاداتها أو تقاليدها ، وكان جده ( هايمان إيرليش ) مديراً لإحدى الحانات ويعمل أيضاً فى تقطير الخمور ، ووالدته ( روزا وايجرت ) عمة عالم البكتيريولوجيا الكبير ( كارل وايجرت ).

بعد أن أنهى تعليمه الأولى إلتحق باول بمدرسة مريم المجدليه الثانوية فى بريزلاو ، وهناك التقى بألبرت نايزر ، أحد رفقائه المتخصصين فيما بعد ، وفى هذه الفترة أصبح مفتوناً بعملية صبغ الأنسجة ورؤيتها تحت المجهر ، وهو ما احتفظ به فى دراسته الطبية بجامعات بريسلاو ، ستراسبورج ، فرايبورج وليبزج .

كان كارل وايجرت ابن خال ايرليش أول من ابتكر طريقة صباغة البكتيريا بصبغة الأنيلين ، لدراسة الأنسجة والتشخيص الجرثومى فى سبعينيات القرن التاسع عشر ، وخلال دراسته فى ستراسبورج استمر ارليش فى الإهتمام بأبحاث وايجرت حول صباغة البكتيريا ودراستها المجهرية ، وقضى فصله الدراسى الثامن فى فرايبورج فى العمل على إستخدام الصبغات .

وفى عام 1878 تبع المشرف على رسالته ( يوليوس فريدريش كونهايم ) الى ليبزج ، وحصل فى هذا العام على الدكتوراه تحت عنوان ( صبغ الأنسجة ، مساهمات فى النظرية والتطبيق  ) وكان من أهم نتائج هذه الأطروحه إكتشاف نوع جديد من الخلايا ، فقد إكتشف حبيبات فى البروتوبلازم يمكن رؤيتها مع الأصباغ القلوية ، واعتبرها علامة على التغذية السليمة ، وكان تركيزه على الكيمياء الحيوية أمراً غير اعتيادى فى الأطروحات الطبية ، قدم من خلالها رؤية مختلفة لتوظيف الأصباغ الكيميائية طبياً ، ووضح الفروق بين بين كرات الدم البيضاء طبقاً لتأثرها بالصبغات ، من خلال وضع قطرة دم بين شريحتين زجاجيتين مع تسخينها لدرجة معينة وتعريضها للأصباغ الحمضية والقلوية ، وابتكر صبغة أخرى محايدة التأثير ، وهنا تمكن من تمييز الخلايا الليمفاوية لأول مرة بين كرات الدم البيضاء ، وتمييز باقى الخلايا .

وبداية من عام 1880 بدأ ايرليش بدراسة كرات الدم الحمراء ، وأثبت وجود أنوية داخل هذا الخلايا كما تمكن من تصنيفها ، واضعاً بذلك الأسس العلمية لدراسة الأنيميا أو مرض فقر الدم ، بعد أن أرسى القواعد الأساسية لمعرفة اللوكيميا أو سرطان الدم خلال بحثه على كرات الدم البيضاء .

بعد حصوله على الدكتوراه عام 1882 عمل فى ( شاريتيه ) فى برلين كمساعد مدير طبى تحت إدارة ( تيودور فريريشس ) مؤسس علم الطب الإكلينيكى التجريبى ، مركزاً على علم الأنسجة وأمراض الدم وكيمياء الأصباغ .

كان عمله فى شاريتيه يستدعى تحليل عينات دم وبول وبراز لبعض المرضى ، وتمكن فى عام 1881 من إجراء اختبار جديد تمكن بواستطه من التمييز بين الأنواع المختلفة من التيفويد فى حالات الإسهال البسيطة ، مما سهل من عملية اكتشاف الأمراض بشكل بسيط وهو ما يعرف اليوم بكاشف ارليش ، كان دمج الطب بالكيمياء أحد أهم إنجازاته وأحد أسباب شقاؤه ورفض معظم أبحاثه فى نفس الوقت من قبل الأطباء ، لإفتقار معظمهم للمعرفة الكيميائية الكافية

Ehrlichفى عام 1883 تزوج باول من ( هيدفيج بينكوس ) وكان عمرها 19 عاماً ، وأنجب منها ابنتين ( ستيفانيا وماريانا )

بعد إستكمال دراسته الإكلينيكية وتأهيلية فى شاريتيه ببرلين فى عام 1886 ، سافر باول الى مصر وبلدان أخرى فى عامى 1888 و 1889 ، للعلاج أولاً من مرض السل الذى أصيب به فى المعمل ، وعند عودته أسس معملاً طبياً خاصاً فى برلين ، وفى عام 1891 تلقى اتصالاً من ( روبرت كوخ ) للإلتحاق بفريقه فى معهد برلين للأمراض المعدية ، وفى عام 1896 تم إنشاء معهد جديد خاص بإيرليش لإختبار وتجريب الأمصال وقام برئاسته .

فى عام 1897 التحق إرليش بمكتب الصحى العامة فى فرانكفورت وبعدها بعامين انتقل المعهد فى عام 1899 الى فرانكفورت وتم تسميته المعهد الملكى للعلاج التجريبى ، وكان ماكس نايزر رفيقة فى المدرسة ، من أهم مساعديه فى هذا المعهد ،  وهى المرحلة الثالثة فى حياة إرليش المليئة بالأبحاث بعد أن اتجه الى العلاج الكيميائى ، مركزاً عمله على فكرة مفادها أن العقاقير الكيميائية المستخدمة يجب أن تدرس فى إطار طريقة عملها وتمييزها بين خلايا الكائن الحى والخلايا المستهدفه للعلاج ، وكان هدفه كما قال أن يجد المواد الكيميائية ذات التأثير الخاص على الخلايا ( البكتيريا – الطفيليات ) المسببة للأمراض دون غيرها ، كما تذهب مضادات السموم الى سم محدد ، وهو ما سماه بالرصاصة السحرية التى تتجه مباشرة الى الكائن أو الطفيل المستهدف  ، ولتحقيق هذا اختبر إرليش بمعاونة مساعدية مئات من المواد الكيميائية التى تم اختيارها من بين المواد التى جمعها مما فتح الطريق للحصول على العديد من المركبات العضوية الجديدة .

وفى عام 1906 أصبح إيرليش مديراً لبيت جورج سباير فى فرانكفورت وهو مؤسسة بحثية أخرى ألحقت بمعهده ، وكان من بين العاملين الأجانب مع إيرليش فى معهده إثنان ممن حصلوا على جائزة نوبل فى الطب وهما ( هنرى هالت دالا ) و ( باول كارر )   

فى ذلك الوقت قام كل من ( شاودين وهوفمان ) بإكتشاف الطفيل المسبب للزهرى فى برلين ، فقرر إرليش ابتكار علاج للقضاء على هذا المرض ، وكان من بينها أحد مركبات الزرنيخ الذى قام بإختباره لأغراض أخرى ولم يحقق نجاحاً يذكر ، وكان لديه مساعد جديد  ( دكتور ساهاشيرو هاتا ) نجح فى إصابة أرانب المعمل بمرض الزهرى ، فطلب منه إختبار العقار عليها بغرض التخلص منها ، إلا أنه حقق نتائج مدهشة على الأرانب وساعد فى علاج بعضها ، فتم إجراء المئات من الإختبارات لتطوير العقار  قبل أن يعلن عنه إيرليش تحت إسم ( سلفارسان ) وفى وقت لاحق قام بتجارب أخرى لتوير العقار حتى تم طرحه بشكل نهائى ، وإن لاقى رفضاً فى البدايه لإستخدامه على الإنسان ، إلا أنه حقق نجاحاً كبيراً وشعبية أيضاً ، وأصبح إلريش من المشاهير الذين أوجدوا العلاج الكيميائى  ، أهله للحصول على جائزة نوبل فى الطب والفسيولوجيا فى عام 1908  مناصفة مع العالم الروسى ( إيليا ميتشينكوف )  ولبقية حياته عمل إلريش على دراسة الأورام وكيفية علاج السرطان .

Paul Ehrlich and Sahachiro Hataتميز إرليش بدأب لا يوصف وتواضع ولطف كبيرين ، كان قليل الأكل كثير التدخين ( 25 سيجاراً ) يومياً ، وكان يحملها فى علبة تحت إبطه أينما ذهب ، وإصراره على إعادة التجارب مراراً وتكراراً حتى يتأكد من النتائج ، وقد أطلق إسمه على الشارع الذى عاش فيه ، حتى جاءت الحرب العالمية الثانية فتغير لأن إرليش كان يهودياً ، وعندما تم ضم البلدة الى بولندا ،  سمى الشارع باسم إرليش مرة أخرى تكريماً لذكراه .

وكان إرليش عضواً او عضو شرف فى أكثر من 81 منظمة أو أكاديمية أو جمعية علمية على مستوى العالم ، بالإضافة للعديد من درجات الدكتوراه الفخرية فى أكثر من 20 دولة ، بالإضافة للعديد من الجوائز والميداليات الأخرى . إذ كان المستشار الطبى الخاص بالإمبراطور منذ 1897 وحصل على أعلى الألقاب الملكية وقتها .

فى 17 أغسطس من عام 1915 عانى إيرليش من أزمة قلبية أدت الى وفاته بعد ثلاثة أيام ، فبعث الإمبراطور فيلهلم الثانى إمبراطور ألمانيا وقتها ببرقية تعزية نشرتها إحدى الصحف قال فيها ( أنا والعالم المتحضر ننعى وفاة هذا الباحث الجدير بالتقدير على خدماته الجليله للعلومم الطبية وللتخفيف من معاناة البشرية ، فأعماله الجليلة لن تموت وستحظى بإمتنان الأجيال الحالية والقادمة ) وقد دفن باول فى المقبرة اليهودية فى شارع رات بايل فى فرانكفورت .

المصدر : موقع جائزة نوبل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 * صبغة جرام : من أهم أنواع الصبغات المستخدمة في المستشفيات للتعرف على البكتيريا. ويعود الفضل في اكتشافها إلى الطبيب ذو الأصل الدانماركي هانس كريستيان غرام (Hans Christian Gram) الذي كان يعمل في مختبر التشريح التابع لمستشفى برلين في العام 1880 للميلاد. حيث قام بتطوير هذه الطريقة لتساعده على التفرقة بين أنواع البكتيريا المسببة لذات الرئة  (Pneumonia )، حيث كانت أحد أنواع البكتيريا تصبغ بلون أحمر وأطلق عليها (بكتيريا سالبة جرام) والأخرى باللون الأزرق (بكتيريا موجية جرام).و يعتمد لون البكتيريا في صبغة جرام على التركيب الكيميائي لجدار الخلية.

** الأرسفينامين هو مركب كيميائي من مركبات الزرنيخ العضوية، وهو أول عقار استخدم لعلاج مرض الزهري حيث عرف تحت اسم سلفرسان. يتكون المركب كيميائياً من هيدروكلوريد 3،3′-ثنائي أمينو-4،4′-ثنائي هيدروكسي-زرنيخ البنزين.

Read 1212 times