الأربعاء, 26 حزيران/يونيو 2013 22:38

الفسطاط عاصمة مصر الإسلامية الأولى

Rate this item
(0 votes)

روى المؤرخون العرب فى تسمية الفسطاط بهذا الاسم قصة ملخصها أن عمرا لما أراد التوجه لفتح الاسكندرية ، أمر بنزع فسطاطه – أى خيمته- فاذا فيه يمامة قد فرخت . فقال عمرو :

( لقد تحـرم منا بمتحـرم) فأمر به ليظل كما هو ، واوصى صاحب القصر به ، وحينما فتح المسلمون الإسكندرية أراد عمرو بن العاص اتخاذها عاصمة ودار هجرة للمسلمين، فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك، فسأل عمر رسول عمرو بن العاص: "هل يحول بيني وبين المسلمين الماء؟" فأجابه: نعم. فكتب عمر إلى ابن العاص أن يرحل عن هذا المكان؛ لأنه لا يريد أن يحول بينه وبين المسلمين الماء، لا في الصيف ولا في الشتاء.فلما رجع المسلمون من الاسكندرية ، قالوا : ( أين ننزل ) قالوا (الفـسطاط) يعنون فسطاط عمرو ، الذى خلفه بمصر ، مضروبا لأجل اليمامة ، فسميت من حينها بذلك الإسم .

فتحول عمرو بن العاص إلى موضع فسطاطه القديم، وذلك حينما استشار أصحابه أين ينزلون، فأشاروا عليه بالنزول في هذا الموضع، وكان مضروبًا في موضح الدار التي تعرف بدار الحصى عند دار عمرو الصغرى، ثم انضمت إليه القبائل وتنافست في المواضع، واختط عمرو المسجد الجامع الذي عرف بتاج الجوامع، وكان حوله حدائق وأعناب، وقام عمرو بنصب الحبال مع أصحابه حتى استقامت، وقد اشترك في وضع قبلة المسجد من ثمانين صحابيًّا، واتخذوا فيه منبرًا، ثم اختط الناس بعد اختطاط المسجد الجامع، ونزل المسلمون الفسطاط بعد تمصيره سنة 21هـ .

ويعتبر تخطيط وإنشاء المدن الإسلامية من الأعمال العمرانية المهمة التي قام بها عمرو، لقد كان الهدف من إنشاء هذه المدن من أجل جند المسلمين وعائلاتهم في المناطق المفتوحة؛ ليكون الجند فيها مستعدين دائمًا للجهاد في سبيل الله، وللدفاع عن حدود الدولة الجديدة، ونقطة انطلاق عسكري لأي توسع إسلامي. وكان المسلمون قبل إنشاء المدن يقيمون بمساكن من القصب، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من الغزو، وإذا رجعوا أعادوا بناءه، فلم تزل الحال كذلك حتى كانت أوامر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ببناء المدن .

تقع الفسطاط على ساحل النيل في طرفه الشمالي الشرقي ، قبل القاهرة بحوالي ميلين، وكان النيل عندها ينقسم إلى قسمين، وموضعها كان فضاءً ومزارعَ بين النيل والجبل الشرقي ( هضبة المقطم ) ، ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن بابليون الذي يطل على النيل من بابه الغربي الذي يعرف بباب الحديد، واستفادت الفسطاط من موقعها على النيل بنتيجتين:Fustat

فقد يسر النيل للأهالي سبل الحصول على الماء من جهة، وخدم توسعها العمراني من جهة ثانية، فتحكمت بطرق المواصلات التجارية الداخلية والخارجية بين مصر والشام، وبين مصر والحجاز.

وقد اكتشف هذا الموقع الإستراتيجي الفراعنة والبابليون والرومان ، فاتخذ منه الفراعنة مكانًا لمدينة كبيرة، جعلها البابليون مكانًا لاستقرارهم عند نزولهم في مصر، ثم اتخذه الرومان مقرًّا لدفاعهم يصلون به الوجهين البحري والقبلي، ويدفعون منه كل معتدٍ خارجي على مصر.

هذا، وقد أنزل عمرو بن العاص القبائل العربية بالفسطاط، وبعد أن اختط المسجد الجامع، بنى للخليفة عمر دارًا عند المسجد، فكتب إليه عمر قائلاً: "أنَّى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر؟!" وأمره أن يجعلها سوقًا للمسلمين، وتمَّ ما أراده أمير المؤمنين، وأصبحت هذه الدار تسمى بدار البركة.

وسَرْعان ما اتخذت الفسطاط مظهر المدينة بجامعها الكبير، وبأسواقها التجارية التي أحاطت به، وبدور السكن التي ارتفعت بمرور الزمن إلى خمسة وسبعة أطباق، وعظم أمرها واغتنت، وكثر ساكنوها حتى قاربت ثلث بغداد مساحة، على غاية الخصب والعمارة والحضارة ، وبقيت دار الإمارة حتى سقطت الدولة الأموية، وبنيت المعسكرات بظاهرها .

وقد وُفِّقَ عمرو بن العاص في اختيار الموقع الإستراتيجي لبناء الفسطاط سياسيًّا وجغرافيًّا؛ فالموقع الذي ضرب عليه عمرو فسطاطه كان موضعًا لمدينة قديمة اندثرت ثم ازدهرت ثانية مع دخول الإسلام لمصر، وإنما بنمط معماري جديد وبحياة وحضارة جديدتين، حتى أصبحت الفسطاط - مع هذا كله- مدينة جديدة زاهرة بكل ما يجعل شأن العواصم كبيرًا .

وكان ذلك إيذانًا بدخول وادي النيل في الإسلام لتسطع من الفسطاط فيما بعد أنوار الحضارة العربية الإسلامية وأنوار الدين الإسلامي، ولتصبح فيما بعد قاعدة الفتوح الإسلامية في المغرب.

تخطيط الفسطاط

أول بناء اختطه عمرو بن العاص في الفسطاط كان مسجده الجامع ، ( والمعروف بجامع عمرو ) وكان مسجدًا كبيرًا شريف القدر شهير الذكر، ثم بنى عمرو داره الكبرى عند باب المسجد، وكان يفصلها عن الجامع طريق، ثم اختط دارًا أخرى ملاصقة لها، وبنى حمام الفار (الذي سمي كذلك لصغر حجمه، قياسًا بحمامات الروم الضخمة)، واختطت قريش والأنصار وأسلم وغفار وجهينة ، ومن كان قد اشترك في جيش المسلمين حول المسجد الجامع ودار عمرو .

هذا، وكانت هذه الخطط ( التقاسيم ) في الفسطاط بمثابة الحارات في القاهرة، واختط خارجة بن حذافة غربي المسجد، وبنى أول غرفة بمصر، والغرفة هي قاعة تعلو الدار وتطل على الطريق، وهي التي أمره عمر بن الخطاب بهدمها ؛ لكي لا يطلع على عورات جيرانه.

أما الدار البيضاء التي استغرق بناؤها أربعين يومًا فاختطها عبد الرحمن بن عُدَيْس البلوي، وبُنِيَتْ لمروان بن الحكم حين قدم إلى مصر، وكانت صحنًا وموقفًا لخيل المسلمين بين المسجد ودار عمرو.

وبنى عمرو بن العاص لبني سهم دار السلسلة الواقعة غربي المسجد، واختطت ثقيف في الركن الشرقي للمسجد الجامع، واختط أبو ذر الغفاري دار العمد ذات الحمام ، واختطت همذان الجيزة، وحينما أخبر عَمرو عُمر بن الخطاب بذلك ساءه، وكتب إلى عمرو يقول:

كيف رضيت أن تفرق عنك أصحابك؟! لم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر، لا تدري ما يفاجئهم، فلعلك لا تقدر على غياثهم حتى ينزل بهم ما تكره، فاجمعهم إليك، فإن أبوا عليك وأعجبهم موضعهم فابنِ عليهم من فَيْء المسلمين حصنًا.

وحينما لم يرجعوا ومن والاهم من رهطهم كيافع وغيرها، بنى لهم عمرو الحصن سنة 22هـ.

وكان يتوسط خطط الجيزة أرض فناء فسيحة، فلما قدمت الإمدادات زمن عثمان بن عفان، وفيما بعد ذلك، كثر الناس في هذه الأرض، وكثر بنيانها حتى التأمت خطط الجيزة، وأصبحت امتدادًا للفسطاط وأرضًا منها.

وكثرت بالفسطاط الحارات والأزقة والدروب، التي تعتبر مظهرًا من مظاهر التوسع العمراني والازدهار الاقتصادي؛ يقول في ذلك جمال الدين الشيال اعتمادًا على حفريات الفسطاط لبهجت وعكوش: إنه كان يفصل بين منازل الفسطاط أنواع من الطرقات المختلفة الاتساع والامتداد، فأكبرها لا يزيد عرضه عن ستة أمتار، وأضيقها لا يتجاوز مترًا ونصف المتر، وكان يطلق عليها بنسبة عرضها أو اتساعها أو طولها أو اتصالها اسم حارة أو درب أو زقاق، وكانت تسمى بأسماء القبائل التي نزلت بها ، أو باسم كبار العرب الذين سكنوها، أو بأسماء الحرف والصناعات، أو أنواع التجارة.

جامع عمرو 

هو أول جامع أقيم في مصر، ويعرف بالجامع العتيق ، وكان موضعه جبانة، وعندما نزل المسلمون في مكانه حاز موضعه قيسبة بن كلثوم التجيبي ونزله ، وحينما رجع المسلمون من الإسكندرية إلى هذا المكان، سأل عمرو قيسبة في منزله هذا أن يجعله مسجدًا ، فتصدق به على المسلمين، فبُنِيَ في سنة 21هـ ، وقد وقف على تحرير قبلته جمع كبير من جِلَّة الصحابة رضوان الله عليهم، قال المقريزي: إنهم ثمانون رجلاً من أصحاب رسول الله ، منهم: الزبير بن العوام ، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وغيرهم رضي الله عنهم، وكان طوله خمسين ذراعًا في عرض ثلاثين، ثم توالت الزيادات، إلى أن كانت سنة 212هـ، إذ أمر عبد الله بن طاهر والي مصر من قبل المأمون بتوسيعه، فزيد فيه مثله، وبذلك بلغت 5012 * 50120 مترًا.

وكانت تقام فيه حلقات الدروس، بعضها للإرشاد، والآخر لدروس الفقه والحديث وعلوم القرآن والأدب، فكان جامعة إسلامية ذاع ذكرها في الآفاق، وصار يقصدها الطلاب من الأقطار المختلفة.

إحراق الفسطاط

ظلت الفسطاط عاصمة لمصر الإسلامية حتى استولى عليها العباسيون فأسسوا مدينة العسكر سنة 132هـ ، ومن بعدهم أسّس أحمد بن طولون مدينة القطائع سنة 256 هـ.

وفي العصر الفاطمي أنشأ المعز لدين الله مدينة القاهرة الفاطمية سنة 358 هـ، وضم إليها آنذاك مدن الفسطاط والقطائع والعسكر.

وفي عهد الخليفة العاضد -إبان نهاية حكم الفاطميين- شهدت الفسطاط أحلك لحظات تاريخها، حينما بلغها الصليبيون بمراكبهم عبر نهر النيل، فأسروا ونهبوا فيها عام 564 هجرية، فقرر الأهالي النزوح إلى القاهرة الفاطمية خائفين هلعين مما يحدث.

ولما أدرك الخليفة العاضد صعوبة موقفه أمر وزيره شاور بجمع العبيد وإحراق مدينة الفسطاط ؛ كي لا يتمتع الصليبيون بها، وظلت النار مشتعلة فيها أكثر من 45 يوما ، وأصبحت الفسطاط بعد الحريق مدينة أشباح خاوية لعدة قرون، وفقدت أهميتها كعاصمة للمال والتجارة والصناعة.

ويوما بعد يوم نسي الناس ما كان لهذه المدينة من تاريخ حافل، وتحولت الفسطاط من عاصمة إسلامية عظيمة إلى مكان يلقي فيه الجهلاء مخلفاتهم.

الآثار بين الأطلال

وشاءت إرادة الله أن تدب الحياة في الفسطاط من جديد مع نهاية القرن التاسع عشر، حين بدأ الناس يأخذون الأتربة منها لردم الجزر أو لاستخدامها كسباخ في التربة من أجل الزراعة، وفي وسط ذلك كانوا يجدون بعض التحف الخزفية، مما دفع الحكومة آنذاك إلى تعيين إشراف ومراقبة من لجنة حفظ الآثار العربية التي تأسست عام 1881م.

و منذ ذلك الوقت بدأت الحكومة المصرية الاهتمام بالفسطاط كمنطقة أثرية، وتمت أول حفائر منظمة في المنطقة على يد الأثري المصري الرائد علي بهجت ، وكان معه المهندس المعماري الفرنسي ألبير جبرائيل.

استمرت تلك الحفائر من عام 1912م حتى 1920م، واكتشفوا خلالها أطلال مدينة الفسطاط ، وهي عبارة عن أساسات المنازل التي بنيت من العصر الفاطمي ، ويعود تاريخها إلى ما بين القرنين الرابع والخامس الهجريين .

وبعد الحفائر المنظمة التي قام بها علي بهجت، وألبير جبرائيل، توافدت البعثات الأجنبية على الفسطاط من أجل اكتشاف المزيد من الآثار؛ حيث عملت بعثة مركز البحوث الأمريكي من 1964م حتى 1972م ، وبعدها البعثة اليابانية من 1978م حتى 1985م، ثم البعثة الفرنسية منذ 1985م وحتى الآن.

وأثناء توالي بعثات الحفائر الأجنبية، ومن خلال عمل الأثريين المصريين بالمنطقة، عُثر على آلاف القطع الخزفية التي تعود إلى بداية العصر الإسلامي في مصر وما بعده، ومنها المحلي العباسي والفاطمي، والمحزوز، والبريق المعدني، والمسراج، وشبابيك القلل.

وهذه التحف يوجد بعضها الآن في متحف الفن الإسلامي بمصر، ومركز الخزف بالزمالك، في حين ذهب البعض الآخر إلى المتاحف والمعارض العالمية ؛ ولذا فلن يكون مستغربا أن تجد تلك التحف الأثرية الإسلامية تشع نورا في متحف بيناكي بأثينا، والفرير جاليري بواشنطن، ومترو بوليتان بنيويورك، وفيكتوريا وألبرت بلندن، ومعهد العالم العربي في باريس.

أخطار

المدهش حقا أن الأثريين المصريين والأجانب يرجحون أنه من الممكن اكتشاف المزيد من الآثار الإسلامية في المناطق المجاورة لأطلال الفسطاط، ولكنها تعاني من الإهمال الشديد.

فبقدر ما تسحرك عملية التجوال بين أطلال الفسطاط، بقدر ما تشعر بالحزن الشديد لما تراه من الزحف الخراساني تجاهها وضغط العشوائيات والمخلفات التي ما زالت تُرمى عليها حتى الآن، إضافة إلى أخطار المياه الجوفية التي تنهش في تلك الآثار، ولا تجد من يعمل على وقف حدتها، بالرغم من وجود بعثات أجنبية بالمنطقة تحاول تخفيض منسوب المياه في منطقة الكنائس بحصن بابليون، والمعبد اليهودي، والتي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن أطلال الفسطاط.

وفضلا عن العوامل الطبيعية التي تهدد بقاء هذه المدينة فإن هناك أيادٍ خفية حاولت في وقت سابق شراء أطلال الفسطاط بملايين الدولارات، من أجل إقامة أبراج سكنية عليها، وقد وقف شيخ الأثريين عبد الرحمن عبد التواب، ومعه الكثيرون من عاشقي التراث الإسلامي في وجه هذا المخطط حتى أفشلوه.

صناعة الخزف :

اشتهرت بها منطقة الفسطاط منذ نشأتها ، لقربها من النيل وتوفر الطمى الخصب الذى ساعد على نشأة هذه الصناعة وتطورها لتصبح فناً له أصوله وقواعده .

الفيلم التالى يوضح تاريخ المنطقة وتطور صناعة الخزف بها.

 

 

Read 5719 times