الشيخ الإمام محمد عبده

الإمام محمد عبده داعية وإمام إسلامي، عرف بفكره الإصلاحي ودعوته للتحرر من كافة أشكال الاستعمار الأجنبي ومحاولاته المستمرة من أجل الارتقاء بالمؤسسات الإسلامية والتعليمية وسعيه الدائم  للإصلاح والتطوير في الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، فبذل الكثير من الجهد من أجل تحقيق التطور والإصلاح في المجتمع على الرغم مما تعرض له من سجن ونفي .

يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.

 مولده ونشأته :

 وُلد الإمام "محمد عبده" في عام (1266هـ = 1849م) لأب تركماني الأصل، وأم مصرية تنتمي إلى قبيلة "بني عدي" العربية، ونشأ في قرية صغيرة من ريف مصر هي قرية "محلة نصر" بمحافظة البحيرة.

أرسله أبوه- كسائر أبناء قريته- إلى الكُتّاب، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شبَّ الابن أرسله أبوه إلى "الجامع الأحمدي"- جامع السيد البدوي- بطنطا، لقربه من بلدته؛ ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية.

وكان محمد عبده في نحو الخامسة عشرة من عمره، وقد استمر يتردد على "الجامع الأحمدي" قريبًا من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة التي كانت تعتمد على المتون والشروح التي تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح في العرض، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة.. ولكن أباه أصر على تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم على ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلى بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه.

وهناك التقى بالشيخ الصوفي "درويش خضر"- خال أبيه- الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى حياته.

وكان الشيخ درويش متأثرًا بتعاليم السنوسية التي تتفق مع الوهابية في الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الخالص في بساطته الأولى، وتنقيته مما شابه من بدع وخرافات.

واستطاع الشيخ "درويش" أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر.

وعاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التي يتلقاها هناك، بل لقد صار "محمد عبده" شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.

وهكذا تهيأ له أن يسير بخطى ثابتة على طريق العلم والمعرفة بعد أن عادت إليه ثقته بنفسه.

انتقل محمد عبده من الجامع الأحمدي إلى الجامع الأزهر عام (1282 هـ = 1865م)، وقد كان الأزهر غاية كل متعلم وهدف كل دارس، فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية.

وكانت الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- لا تخرج عن هذه العلوم في شيء، فلا تاريخ ولا جغرافيا ولا طبيعة ولا كيمياء ولا رياضيات وغير ذلك من العلوم التي كانت توصف- آنذاك- بعلوم أهل الدنيا.

ولذلك فَقَدْ شَابَ الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- كثير من التخلف والجمود، وتوقفت العلوم عند ظواهر الأشياء دون النفاذ إلى الجوهر، ومن ثم كانت الدراسة تنصبّ على المتون والحواشي والشروح بالدرجة الأولى.

واستمر "محمد عبده" يدرس في "الأزهر" اثني عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1294هـ = 1877م).

* رجال في حياة الإمام :

 تأثر الشيخ "محمد عبده" بعدد من الرجال الذين أثروا حياته وأثّروا فيها، وكان من أولهم الشيخ "درويش خضر" الذي كان يلتقي به في إجازته من كل عام، فيتعهده بالرعاية الروحية والتربية الوجدانية، فيصب في روحه من صوفيته النقية، ويشحذ عزيمته ونفسه بالإرادة الواعية، ويحركه للاتصال بالناس، والتفاعل مع المجتمع، ويدعوه إلى التحدث إلى الناس ونصحهم ووعظهم.

وهو الذي ساعده على تجاوز حدود العلوم التي درسها بالأزهر، ونبهه إلى ضرورة الأخذ من كل العلوم، بما فيها تلك العلوم التي رفضها الأزهر وضرب حولها سياجًا من المنع والتحريم.

ومن ثم فقد اتصل "محمد عبده" بالرجل الثاني الذي كان له أثر كبير في توجيهه إلى العلوم العصرية، وهو الشيخ "حسن الطويل" الذي كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، وعُرف بالشجاعة في القول بما يعتقد دون رياء أو مواربة.

وقد حركت دروس الشيخ "حسن الطويل" كوامن نفس محمد عبده، ودفعته إلى البحث عن المزيد، وقد وجد ضالته أخيرًا عند السيد "جمال الدين الأفغاني ".

* محمد عبده وجمال الدين الافغاني :

 كان الأفغاني يفيض ذكاء وحيوية ونشاطا، فهو دائم الحركة، دائم التفكير ، دائم النقد، دائم العطاء، وكان محركًا للعديد من ثورات الطلاب ومظاهراتهم؛ فقد وهب نفسه لهدف أسمى وغاية نبيلة هي إيقاظ الدولة الإسلامية من سُباتها، والنهوض بها من كبوتها وضعفها، فعمل على تبصرة الشعوب بحقوقها من خلال تنوير عقول أبنائها.

ووجد "الأفغاني" في "محمد عبده" الذكاء وحسن الاستعداد، وعلو الهمة، فضلا عن الحماسة في الدعوة إلى الإصلاح، ورأى "محمد عبده" من خلال "الأفغاني" الدنيا التي حجبتها عنه طبيعة الدراسة في الأزهر.. وتلازم الشيخان، ونشأت بينهما صداقة صافية، وساد بينهما نوع من الوئام والتوافق والانسجام على أساس من الحب المتبادل والاحترام والتقدير.

 * محمد عبده مدرساٌ :

 بعد أن نال "محمد عبده" شهادة العالمية من الأزهر، انطلق ليبدأ رحلة كفاحه من أجل العلم والتنوير، فلم يكتف بالتدريس في الأزهر، وإنما درّس في "دار العلوم " وفي "مدرسة الألسن"، كما اتصل بالحياة العامة.

وكانت دروسه في الأزهر في المنطق والفلسفة والتوحيد، وكان يُدرّس في دار العلوم مقدمة ابن خلدون، كما ألّف كتابًا في علم الاجتماع والعمران.

واتصل بعدد من الجرائد، فكان يكتب في "الأهرام" مقالات في الإصلاح الخلقي والاجتماعي، فكتب مقالا في "الكتابة والقلم"، وآخر في "المدبر الإنساني والمدبر العقلي والروحاني"، وثالثا في "العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية".

المنهج الإصلاحي للإمام :

 حينما تولّى الخديوي "توفيق" العرش، تقلد "رياض باشا" رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح "الوقائع المصرية"، واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم "محمد عبده" إليه "سعد زغلول"، و"إبراهيم الهلباوي"، والشيخ "محمد خليل"، وغيرهم، وأنشأ في الوقائع قسمًا غير رسمي إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ "محمد عبده" هو محررها الأول. وظل الشيخ "محمد عبده" في هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل "الوقائع" منبرًا للدعوة إلى الإصلاح.

وكان في مصر تياران قويان يتنازعان حركة الإصلاح:

الأول: يمثله فريق المحافظين الذين يرون أن الإصلاح الحقيقي للأمة إنما يكون من خلال نشر التعليم الصحيح بين أفراد الشعب، والتدرج في الحكم النيابي، وكان الإمام "محمد عبده" والزعيم "سعد زغلول" ممن يمثلون هذا التيار.

والثاني: يدعو إلى الحرية الشخصية والسياسية تأسيًا بدول أوروبا، وكانت نواته جماعة من المثقفين الذين تعلموا في أوروبا، وتأثروا بجو الحرية فيها، وأعجبوا بنظمها، ومنهم "أديب إسحاق".

وكان هؤلاء ينظرون إلى محمد عبده ورفاقه على أنهم رجعيون، ولا يوافقونهم فيما ذهبوا إليه من أن الإصلاح ينبغي أن يأتي بالتدريج ليستقر، وليس طفرة فيزول.

الإمام والثورة العرابية :

 وعندما اشتعلت الثورة العرابية سنة (1299هـ = 1882م) التفّ حولها كثير من الوطنيين، وانضم إليهم الكثير من الأعيان وعلماء الأزهر، واجتمعت حولها جموع الشعب وطوائفه المختلفة، وامتزجت مطالب جنود الجيش بمطالب جموع الشعب والأعيان والعلماء، وانطلقت الصحف تشعل لهيب الثورة، وتثير الجموع، وكان "عبد الله النديم " من أكثر الخطباء تحريضًا على الثورة.

وبالرغم من أن "محمد عبده" لم يكن من المتحمسين للتغيير الثوري السريع فإنه انضم إلى المؤيدين للثورة، وأصبح واحدًا من قادتها وزعمائها، فتم القبض عليه، وأودع السجن ثلاثة أشهر، ثم حُكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات الي بيروت.

 * بين بيروت وباريس :

 انتقل "محمد عبده" إلى "بيروت" سنة (1300هـ = 1883م)؛ حيث أقام بها نحو عام، ثم ما لبث أن دعاه أستاذه الأفغاني للسفر إليه في باريس حيث منفاه، واستجاب "محمد عبده" لدعوة أستاذه حيث اشتركا معًا في إصدار مجلة "العروة الوثقى" التي صدرت من غرفة صغيرة متواضعة فوق سطح أحد منازل باريس؛ حيث كانت تلك الغرفة هي مقر التحرير وملتقى الأتباع والمؤيدين.

وقد أزعجت تلك المجلة الإنجليز، وأثارت مخاوفهم كما أثارت هواجس الفرنسيين، وكان الإمام محمد عبده وأستاذه وعدد قليل من معاونيهم يحملون عبء تحرير المجلة وتمهيد السبل لها للوصول إلى أرجاء العالم الإسلامي، وكانت مقالات الإمام تتسم في هذه الفترة بالقوة، والدعوة إلى مناهضة الاستعمار، والتحرر من الاحتلال الأجنبي بكل صوره وأشكاله. واستطاع الإنجليز إخماد صوت "العروة الوثقى" الذي أضجّ مضاجعهم وأقلق مسامعهم، فاحتجبت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددا في ثمانية أشهر، وعاد الشيخ "محمد عبده" إلى بيروت سنة (1302هـ = 1885م) بعد أن تهاوى كل شيء من حوله، فقد فشلت الثورة العرابية، وأغلقت جريدة "العروة الوثقى"، وابتعد عن أستاذه الذي رحل بدوره إلى "فارس".

وكان على "محمد عبده" أن يشغل وقته بالتأليف والتعليم، فشرح "نهج البلاغة" ومقامات "بديع الزمان الهمذاني"، وأخذ يدرّس تفسير القرآن في بعض مساجد "بيروت"، ثم دُعي للتدريس في "المدرسة السلطانية" ببيروت، فعمل على النهوض بها، وأصلح برامجها، فكان يدرّس التوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ والفقه، كما كتب في جريدة "ثمرات الفنون" عددًا من المقالات تشبه مقالاته في "الوقائع".

وبالرغم من أن مدة نفيه التي حكم عليه بها كانت ثلاث سنوات فإنه ظل في منفاه نحو ست سنين، فلم يكن يستطيع العودة إلى مصر بعد مشاركته في الثورة على الخديوي "توفيق"، واتهامه له بالخيانة والعمالة، ولكن بعد محاولات كثيرة لعدد من الساسة والزعماء، منهم: "سعد زغلول"، والأميرة "نازلي"، و"مختار باشا"، صدر العفو عن "محمد عبده" سنة (1306هـ = 1889م)، وآن له أن يعود إلى أرض الكنانةبعد ان اشترط عليه اللورد كرومر الا يعمل في السياسه.

 * العودة إلى مصر :

 كان كل شيء قد أصبح في يد الإنجليز، وكان أهم أهداف الشيخ "محمد عبده" إصلاح العقيدة، والعمل على إصلاح المؤسسات الإسلامية كالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية.. واتخذ "محمد عبده" قراره بمسالمة الخديوي، وذلك حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي يطمح إلى تحقيقه، والاستعانة بالإنجليز أنفسهم إذا اقتضى الأمر، فوضع تقريرًا بعد عودته حول الإصلاحات التي يراها ضرورية للنهوض بالتعليم، ورفعه إلى "اللورد كرومر" نفسه، فحقيقية الأمر التي لا جدال فيها أنه كان القوة الفاعلة والحاكم الحقيقي لمصر.

وكان الشيخ "محمد عبده" يأمل أن يكون ناظرًا لدار العلوم أو أستاذًا فيها بعد عودته إلى مصر، ولكن الخديوي والإنجليز كان لهما رأي آخر؛ ولذلك فقد تم تعيينه قاضيًا أهليًا في محكمة بنها، ثم الزقازيق، ثم عابدين، ثم عين مستشارًا في محكمة الاستئناف سنة (1313هـ = 1895م).

بدأ يتعلم اللغة الفرنسية وهو قاضٍ في "عابدين"- وكانت سنه حينئذ قد شارفت على الأربعين- حتى تمكّن منها، فاطلع على القوانين الفرنسية وشروحها، وترجم كتابًا في التربية من الفرنسية إلى العربية.

 * الإمام مفتياً :

 وعندما تُوفي الخديوي "توفيق" سنة (1310هـ = 1892م)، وتولي الخديوي عباس، الذي كان متحمسًا على مناهضة الاحتلال، سعى الشيخ "محمد عبده" إلى توثيق صلته به، واستطاع إقناعه بخطته الإصلاحية التي تقوم على إصلاح الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وصدر قرار بتشكيل مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ "حسونة النواوي"، وكان الشيخ محمد عبده عضوا فيه، وهكذا أتيحت الفرصة للشيخ محمد عبده لتحقيق حلمه بإصلاح الأزهر، وهو الحلم الذي تمناه منذ أن وطئت قدماه ساحته لأول مرة.

وفي عام (1317هـ = 1899م) تم تعيينه مفتيًا للبلاد و كان منصب الإفتاء يضاف لمن يشغل وظيفة مشيخة الجامع الأزهر في السابق وبذلك يكون اول مفتي مستقل في مصر وتبعاً لذلك أصبح عضواً في مجلس الأوقاف الأعلى .

وفي 25 يونيو عام 1890 م عين عضواً في مجلس شورى القوانين

ولكن علاقته بالخديوي عباس كان يشوبها شيء من الفتور، الذي ظل يزداد على مر الأيام، خاصة بعدما اعترض على ما أراده الخديوي من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له إلا إذا دفع الخديوي للوقف عشرين ألف فرقًا بين الصفقتين.

* الحملة الشرسة ضد الإمام :

وتحول الموقف إلى عداء سافر من الخديوي، فبدأت المؤامرات والدسائس تُحاك ضد الإمام الشيخ، وبدأت الصحف تشن هجومًا قاسيًا عليه لتحقيره والنيل منه، ولجأ خصومه إلى العديد من الطرق الرخيصة والأساليب المبتذلة لتجريحه وتشويه صورته أمام العامة؛ حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر في سنة (1323هـ = 1905م)، وإثر ذلك أحس الشيخ بالمرض، واشتدت عليه وطأة المرض، الذي تبيّن أنه السرطان، وما لبث أن تُوفي بالإسكندرية في (8 من جمادى الأولى 1323 هـ = 11 من يوليو 1905م) عن عمر بلغ ستة وخمسين عامًا.

 * أهم مؤلفاته :

  • رسالة التوحيد.
    تحقيق وشرح "البصائر القصيرية للطوسي".
    تحقيق وشرح "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" للجرجاني.
    الرد على هانوتو الفرنسي.
    الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية (رد به على إرنست رينان سنة 1902م)
    تقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899م.
    شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب
    العروة الوثقى مع معلمه جمال الدين الأفغاني

    من تلامذته :
    - محمد رشيد رضا
    - شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي قال مرثيته راسما فيها صورة صادقة جياشة لشخصية العالم المخلص وقد أدار حافظ قصيدته على محاور تقوى الإمام وصبره على ما ابتلي به من أذى الحاقدين وموقفه التاريخي في دحض أباطيل المستشرقين وتفسيره للقران الكريم. ففي وصف فضيلة الصبر يقول مخاطبا الإمام:
    وآذوك في ذات الإله وأنكروا                مكانك حتى سودوا الصفحات
    رأيت الأذى في جانب الله لذة                 ورحت ولم تهمم لهم بشكاة
    وفي تصوير مقدرة الشيخ على إفحام المستشرقين:
    ووفقت بين الدين والعلم والحجا               فأطلعت نورا من ثلاث جهات
    وقفت لهانوتو ورينان وقفة                    أمدك فيها الروح بالنفحات
    وخفت مقام الله في كل موقف                  فخافك أهل الشك والنزعات
    وأرصدت للباغي على دين أحمد               شباة يراع ساحر النفثات
    وفي التعبير عن الحزن الذي اعترى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها:
    بكى الشرق فارتجت له الأرض             رجة وضاقت عيون الكون بالعبرات
    ففي الهند محزون وفي اليمن جازع         وفي مصر باك دائم الحسرات
    وفي الشام مفجوع وفي الفرس نادب        وفي تونس ما شئت من زفرات
    بكى عالم الأسلام عالم عصره                 سراج الدياجي هادم الشبهات
    - الشيخ الشهيد عز الدين القسام والذي كان أول من نادى بالثورة على الإنجليز والصهاينة وتحرير فلسطين من بين أيديهم.
    - شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي
    - شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق
    - شيخ العروبة محمد محيي الدين عبد الحميد
    - سعد زغلول
    - قاسم أمين
    - محمد لطفي جمعة
    - طه حسين

- كيف يشرح الامام بالمنطق قضية وجود الله؟

 - لو عرف المسلمين دينهم الحق ما ارتضوا الهوان والاستعباد

 - الدين والعلم مصدر الأعمال كلها دنيوية وأخروية

 - إن من اكبر التقوى علو الهمة، ومن أكبرها السعى فى مصلحة الأمة ونفع الناس

 - الفتوحات الاسلامية كانت من مقتضيات السياسة

 - من المؤسف أن تنشغل الأمة الإسلامية بقضايا هامشية كإطالة اللحى وتقصير الثياب والدفاع عن النقاب والسواك وتعدد الزوجات

 *  اهم فتاوي الامام محمد عبده :

 فيما يتعلق بالتصوير والرسم والنحت

يقول الامام ما حكم هذه الصور في الشريعة الاسلاميه اذا كان القصد منها ما ذكر من تصوير هيئات البشر في انفعالاتهم النفسية او اوضاعهم الجثمانية - هل هذا حرام او جائز ؟ او مكروه او مندوب او واجب ؟فاقول لك ان الراسم قد رسم و الفائدة محققه لا نزاع فيها ،و معني العبادة و تعظيم التمثال ،او الصورة ، قد محي من الاذهان .فاما ان تفهم الحكم من نفسك بعد ظهور الواقعه و اما ان ترفع سؤالا الي المفتي و هو يجيبك مشافهة فاذا اوردت عليه حديث:ان اشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ،او ما في معناه مما ورد في الصحيح فالذي يغلب علي ظني انه سيقول لك ان الحديث جاء في ايام الوثنية و كانت الصور تتخذ في هذا العهد لسببين الاول: اللهو ،و الثاني التبرك بمثال من ترسم صورته من الصالحين .و الاول مما يبغضه الدين و الثاني مما جاء الاسلام لمحوه.و المصور في الحالين شاغل عن الله او ممهد للاشراك به .فاذا زال هذان العارضان و قصدت الفائده كان تصوير الاشخاص بمنزلة تصوير النباتات و الشجر في المصنوعات ،و قد صنع ذلك في حواشي المصاحف و اوائل السور و لم يمنعه احد من العلماء . مع ان الفائدة في نقش المصاحف موضع نزاع اما فائدة الصور فمما لا نزاع فيه علي الوجه الذي ذكر.. و لا يمكنك ان تجيب المفتي بان الصورة علي كل حال مظنة العباده فاني اظنه يقول لك :ان لسانك ايضا مظنة الكذب ،فهل يجب ربطه مع انه يجوز ان يصدق كما يجوز ان يكذب ؟... و بالجملة يغلب علي ظني ان الشريعة الاسلامية ابعد من ان تحرم وسيلة من افضل وسائل العلم بعد تحقيق انه لا خطر فيها علي الدين ،لا من وجهة العقيده و لا من وجهة العمل . علي ان المسلمين لا يتساءلون الا فيما تظهر فائدته ليحرموا انفسهم منها فما بالهم لا يتساءلون عن زيارة قبور الاولياء او ما سماهم بعضهم الاولياء و هم ممن لا تعرف لهم سيرة و لم يطلع لهم احد علي سريره؟...و هم يخشونها كخشية الله او اشد و يطلبون منها ما يخشون الا يجيبهم الله فيه و يظنون انهم اسرع الي اجابتهم من عنايته سبحانه و تعالي ..لا شك انهم لا يمكنهم الجمع بين هذه العقائد و عقيدة التوحيد ،و لكن يمكنهم الجمع بين التوحيد و رسم صور الانسان و الحيوان ،لتحقيق المعاني العلميه و تمثيل الصور الذهنيه...

 فتوى الامام محمد عبده في الحجاب قبل مائة عام

أدلة المبيحين لكشف الوجه:

ولا أعلم لمن أجاز نظر الوجه والكفين من الأجنبية دليلاً من الكتاب والسنة سوى ما يأتي:
الأول: قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هي وجهها وكفاها والخاتم». قال الأعمش عن سعيد بن جبير عنه. وتفسير الصحابي حجة كما تقدم.
الثاني: ما رواه أبو داود في «سننه» عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا». وأشار إلى وجهه وكفيه.
الثالث: ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أخاه الفضل كان رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلّم، في حجة الوداع فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الاخر، ففي هذا دليل على أن هذه المرأة كاشفة وجهها.
الرابع: ما أخرجه البخاري وغيره من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم، بالناس صلاة العيد ثم وعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال: «يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم». فقامت امرأة من سطة النساء سعفاء الخدين. الحديث، ولولا أن وجهها مكشوفاً ما عرف أنها سعفاء الخدين.
هذا ما أعرفه من الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على جواز كشف الوجه للأجانب من المرأة.

الجواب عن هذه الأدلة.
ولكن هذه الأدلة لا تعارض ما سبق من أدلة وجوب ستره وذلك لوجهين:
أحدهما: أن أدلة وجوب ستره ناقلة عن الأصل، وأدلة جواز كشفه مبقية على الأصل، والناقل عن الأصل مقدم كما هو معروف عند الأصوليين. وذلك لأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه. فإذا وجد الدليل الناقل عن الأصل دل ذلك على طروء الحكم على الأصل وتغييره له. ولذلك نقول إن مع الناقل زيادة علم. وهو إثبات تغيير الحكم الأصلي والمثبت مقدم على النافي. وهذا الوجه إجمالي ثابت حتى على تقدير تكافؤ الأدلة ثبوتاً ودلالة.
الثاني: إننا إذا تأملنا أدلة جواز كشفه وجدناها لا تكافىء أدلة المنع ويتضح ذلك بالجواب عن كل واحد منها بما يلي:
1 ـ عن تفسير ابن عباس ثلاثة أوجه :
أحدهما : محتمل أن مراده أول الأمرين قبل نزول آية الحجاب كما ذكره شيخ الإسلام ونقلنا كلامه آنفاً.
الثاني : يحتمل أن مراده الزينة التي نهى عن إبدائها كما ذكره ابن كثير في تفسيره ويؤيد هذين الاحتمالين تفسيره رضي الله عنه لقوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاَِزْوَجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}. كما سبق في الدليل الثالث من أدلة القرآن.
الثالث : إذا لم نسلم أن مراده أحد هذين الاحتمالين فإن تفسيره لا يكون حجة يجب قبولها إلا إذا لم يعارضه صحابي آخر. فإن عارضه صحابي آخر أخذ بما ترجحه الأدلة الأخرى، وابن عباس رضي الله عنهما قد عارض تفسيره ابن مسعود رضي الله عنه حيث فسر قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}. بالرداء والثياب وما لابد من ظهوره فوجب طلب الترجيح والعمل بما كان راجحاً في تفسيريهما.
2 ـ وعن حديث عائشة بأنه ضعيف من وجهين :
أحدهما : الانقطاع بين عائشة وخالد بن دريك الذي رواه عنها كما أعله بذلك أبو داود نفسه حيث قال: خالد بن دريك لم يسمع من عائشة وكذلك أعله أبو حاتم الرازي.
الثاني : أن في إسناده سعيد بن بشير النصري نزيل دمشق تركه ابن مهدي، وضعفه أحمد وابن معين وابن المديني والنسائي وعلى هذا فالحديث ضعيف لا يقاوم ما تقدم من الأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب الحجاب. وأيضاً فإن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها كان لها حين هجرة النبي صلى الله عليه وسلّم، سبع وعشرون سنة. فهي كبيرة السن فيبعد أن تدخل على النبي صلى الله عليه وسلّم، وعليها ثياب رقاق تصف منها ما سوى الوجه والكفين والله أعلم، ثم على تقدير الصحة يحمل على ما قبل الحجاب لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه.
3 ـ وعن حديث ابن عباس بأنه لا دليل فيه على جواز النظر إلى الأجنبية لأن النبي صلى الله عليه وسلّم، لم يقر الفضل على ذلك بل حرف وجهه إلى الشق الاخر ولذلك ذكر النووي في شرح صحيح مسلم بأن من فوائد هذا الحديث تحريم نظر الأجنبية، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في فوائد هذا الحديث: وفيه منع النظر إلى الأجنبيات وغض البصر، قال عياض وزعم بعضهم أنه غير واجب إلا عند خشية الفتنة قال: وعندي أن فعله صلى الله عليه وسلّم، إذا غطى وجه الفضل كما في الرواية. فإن قيل: فلماذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلّم، المرأة بتغطية وجهها فالجواب أن الظاهر أنها كانت محرمة والمشروع في حقها أن لا تغطي وجهها إذا لم يكن أحد ينظر إليها من الأجانب، أو يقال لعل النبي صلى الله عليه وسلّم، أمرها بعد ذلك. فإن عدم نقل أمره بذلك لا يدل على عدم الأمر. إذ عدم النقل ليس نقلاً للعدم. وروى مسلم وأبو داود عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم، عن نظرة الفجاءة فقال: «اصرف بصرك» أو قال: فأمرني أن أصرف بصري.
4 ـ وعن حديث جابر بأن لم يذكر متى كان ذلك فإما أن تكون هذه المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحاً فكشف وجهها مباح، ولا يمنع وجوب الحجاب على غيرها، أو يكون قبل نزول آية الحجاب فإنها كانت في سورة الأحزاب سنة خمس أو ست من الهجرة، وصلاة العيد شرعت في السنة الثانية من الهجرة.
واعلم أننا إنما بسطنا الكلام في ذلك لحاجة الناس إلى معرفة الحكم في هذه المسألة الاجتماعية الكبيرة التي تناولها كثير ممن يريدون السفور. فلم يعطوها حقها من البحث والنظر، مع أن الواجب على كل باحث يتحرى العدل والإنصاف وأن لا يتكلم قبل أن يتعلم. وأن يقف بين أدلة الخلاف موقف الحاكم من الخصمين فينظر بعين العدل، ويحكم بطريق العلم، فلا يرجح أحد الطرفين بلا مرجح، بل ينظر في الأدلة من جميع النواحي، ولا يحمله اعتقاد أحد القولين على المبالغة والغلو في إثبات حججه والتقصير والإهمال لأدلة خصمه. ولذلك قال العلماء: «ينبغي أن يستدل قبل أن يعتقد» ليكون اعتقاده تابعاً للدليل لا متبوعاً له؛ لأن من اعتقد قبل أن يستدل قد يحمله اعتقاده على رد النصوص المخالفة لاعتقاده أو تحريفها إذا لم يمكنه ردها. ولقد رأينا ورأى غيرنا ضرر استتباع الاستدلال للاعتقاد حيث حمل صاحبه على تصحيح أحاديث ضعيفة. أو تحميل نصوص صحيحة ما لا تتحمله من الدلالة تثبيتاً لقوله واحتجاجاً له. فلقد قرأت مقالاً لكاتب حول عدم وجوب الحجاب احتج بحديث عائشة الذي رواه أبو داود في قصة دخول أسماء بنت أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلّم، وقوله لها: «إن المرأة إذا بلغت سن المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا». وأشار إلى وجهه وكفيه وذكر هذا الكاتب أنه حديث صحيح متفق عليه، وأن العلماء متفقون على صحته، والأمر ليس كذلك أيضاً وكيف يتفقون على صحته وأبو داود راويه أعله بالإرسال، وأحد رواته ضعفه الإمام أحمد وغيره من أئمة الحديث، ولكن التعصب والجهل يحمل صاحبه على البلاء والهلاك. قال ابن القيم:

وتعر من ثوبين من يلبسهمـا يلقى الردى بمذلة وهـوان

ثوب من الجهل المركب فوقه ثوب التعصب بئست الثوبان

 وتحل بالانصاف أفخر حلة زينت بها الأعطاف والكتفان

وليحذر الكاتب والمؤلف من التقصير في طلب الأدلة وتمحيصها والتسرع إلى القول بلا علم فيكون ممن قال الله فيهم: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّـلِمِينَ }. (الأنعام: 144(
أو يجمع بين التقصير في طلب الدليل والتكذيب بما قام عليه الدليل فيكون منه شر على شر ويدخل في قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَـفِرِينَ }. (الزمر: 32(

 تعدد الزوجات

يقول عبده في مسألة تعدّد الزوجات ما نصّه: ((قد أباحت الشريعة المحمدية للرجل الاقتران بأربع من النسوة، إن عَلِمَ من نفسه القدرة على العدل بينهن، وإلاّ فلا يجوز الاقتران بغير واحدة)). وبعد استعراض شواهد من الآيات والأحاديث النبوية المؤدية إلى استحالة العدل بين الزوجات، فضلاً عن مساوئ تعدّد الزوجات الاجتماعية المختلفة، معتمداً على الاجتهاد في تأويل الآية المتعلّقة بتعدّد الزوجات وشرط العدل في ذلك، قال عبده: ((فاللازم عليهم حينئذ إما الاقتصار على واحدة إذا لم يقدروا على العدل كما هو مشاهد، عملاً بالواجب عليهم بنص قوله تعالى:{فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة}، وأما آية {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} فهي مقيدة بآية فإن خفتم، وإما أن يتبصروا قبل طلب التعدّد في الزوجات فيما يجب عليهم شرعاً من العدل .

الامام والدولة الدينية والمدنية :

 يؤكّد الامام محمد عبده رفضَهُ قيام سلطة دينيّة في المجتمع الإسلاميّ بأيّ صورةٍ كانت، فهو يقول:" ليس في الإسلام سلطة دينيّة، سوى سلطة الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير، والتنفير عن الشرّ، وهي سلطة خوّلها الله لأدنى المسلمين، يقرع بها أنف أعلاهم، كما خوّلها لأعلاهم يتناول بها مَن أدناهم "، بل انه يري أنّ إحدى غايات الإسلام الرئيسة هي الحرب ضدّ السلطة الدينيّة، واجتثاثها من جذورها، ويقول عن الأصل الخامس للإسلام:" أصلٌ من أصولِ الإسلام قلب السلطة الدينيّة والإتيانِ عليها من أساسها، هَدَمَ الإسلامُ بناء تلك السلطة ومحا أثرها، حتى لم يبق لها عند الجمهور من أهلهِ اسمٌ ولا رسم، لم يدع الإسلام لأحدٍ بعد الله ورسوله سلطاناً على عقيدة أحد ولا سيطرةٍ على إيمانه "، ويتابع الإمامُ حديثه بالقول:" لكل مُسلمٍ أن يفهم عن الله من كتاب الله، وعن رسولهِ من كلامِ رسولهِ، بدون توسيط أحد من سلفٍ ولا خلف، وإنّما يجب عليه قبل ذلك أن يُحصّل من وسائله ممّا يُؤهّلهُ للفهم ". 

ويسعى الإمام محمّد عبده إلى تقديم نماذج من التاريخ الإسلاميّ تؤكّد رؤيتهُ العقلانيّة إلى الإسلام، فهو يصف الفتوحات الإسلاميّة بأنّها أعمال سياسيّة وحربيّة تتعلّق بضرورات المُلك ومقتضيات السياسة، وبالتالي فهي ليست حروباً " دينيّة "، وإنّما قام المسلمون بهذه الفتوحات:" دفاعاً عن أنفسهم وكفاً للعدوان عنهم، ثمّ كان الافتتاح بعد ذلك من ضرورة المُلك "، ثمّ يُطبّق ذات الرؤية على الحروب التي جرت بين الفرق الإسلاميّة المتناحرة، مؤكِّداً أنّها لم تكن حروب " عقيدة دينيّة " بل هي حروبٌ سياسيّةٌ بامتياز، إذ لم " يقتتل هؤلاء مع الخلفاء لأجل أن ينصُروا عقيدة، ولكن لأجل أن يغيّروا شكل حكومة ". 

من زاوية أُخرى، أسهم الإمام محمّد عبده في بلورة رؤى من التعدديّة والمواطنة في أواخر القرن التاسع عشر، ما نزال نرجو تطبيق بعضها في بدايات الألفية الثالثة، فها هو ذا يقول في المادة الخامسة من برنامج الحزب الوطنيّ المصريّ الذي صاغهُ الإمام في عام 1888م مع مجموعة من شيوخ الجامع الأزهر:" الحزب الوطنيّ حزبٌ سياسيّ لا دينيّ، فإنّهُ مؤلّفٌ من رجالٍ مختلفي العقيدة والمذهب، وكلّ مَن يحرث أرض مصر، ويتكلّم لغتها مُنضمٌّ إليه، لأنّه لا ينظر لاختلاف المعتقدات، ويعلم أنّ الجميع أُخوان، وأنّ حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية، وهذا مُسلّمٌ به عند أخصِّ مشايخ الأزهر الذين يعضّدونَ هذا الحزب ويعتقدون أنّ الشريعة المحمديّة الحقّة تنهى عن البغضاء، وتعتبر الناس في المعاملة سواء .

قالو عن الامام :

  • د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية يقول: كان الأستاذ الإمام محمد عبده رائدا فذا من رواد الإصلاح والتنوير وعلما من أعلام الدعوة إلى التجديد على أكثر من صعيد، ليس فى مصر وحدها وإنما فى العالمين العربى والإسلامى. 

    وبعد مرور قرن كامل على وفاته ما تزال أغلبية أفكاره واجتهاداته فى الإصلاح والتجديد تنبض بالحياة كأنها نبت الأمس القريب، وما تزال النخب الفكرية والثقافية والسياسية مشغولة بالقضايا ذاتها التى انشغل بها الإمام، وإذا كان الزمن قد ذهب ببعض آرائه واجتهاداته وطوتها التغيرات الاجتماعية والسياسية التى توالت على مدى القرن المنصرم.
  • د. محمد عمارة المفكر الاسلامي يقول أن الدعوة الإصلاحية للإمام تألقت حول بدايات القرن الرابع عشر الهجرى، فى واقع حضارى تميز بسيادة الجمود والتقليد فى دوائر طلاب العلم الدينى، وهو غلو يحجب الدين والإصلاح الإسلامى عن الواقع والحياة فيخلق الفراغ الدينى الحقفى هذا الواقع، ويبعد المنهاج الإصلاحى الإسلامى عن أن يكون هو سبيل الأمة للنهضة والتقدم. 
    كما تميز هذا الواقع فى ميدان التصوف بسيادة البدع والخرافات والشعوذات التى حجبت حقيقة التصوف كعلم للمجاهدات الروحية التى تهذب القلوب والنفوس والأرواح.. وكذلك تميز هذا الواقع الحضارى والفكرى بزحف النموذج الغربى فى التقدم والتحديث على الشرق الإسلامى. 
    ذلك النموذج الذى وفد إلى بلادنا فى ركاب الغزوة الاستعمارية الغربية الحديثة لعالم الإسلام، وهو نموذج قد تميز بالغلو الشديد، وذلك عندما انحاز إلى عالم الشهادة رافضا عالم الغيب وإلى الدنيا فى مواجهة الدين، وإلى الفردية فى مقابلة الجماعة، وإلى الأرض فى رفضه لحكمة السماء وشريعتها، وإلى المادية والوضعية فى مقابلة الروح. 
    وإلى القوة فى مواجهة العدل وإلى الصراع بدلا من التدافع، وإلى العقل فى مقابلة النقل والوجدان فملأ هذا النموذج الغربى الفضاء الفلسفى والثقافى والسياسى بحشد غفير من (الثنائيات المتناقضة) التى عبرت عن غلو التفريط المقابل لغلو الإفراط، الذى مثله الجمود والتقليد السائدان بين طلاب علوم الدين فى شرقنا الإسلامى بذلك التاريخ. 

    ولمجافاة كلا الموقفين جمود طلاب علوم الدين وجمود طلاب العلوم الغربية لمنهاج الوسطية الإسلامية فى الإصلاح والنهوض كان حرص الإمام محمد عبده على تمييز منهاجه فى الإصلاح بسمة الوسطية الإسلامية الجامعة، فكتب عن تميز موقفه ومنهجه ودعوته بهذه الوسطية عن أهل الجمود والتقليد للموروث، وأهل الجمود للوافد الغربى. 
    كما تحدث الإمام محمد عبده عن الوسطية التى انحاز إليها، وتميز بها منهاجه الإصلاحى وهى ليست خيارا ذاتيا وإنما هى منهاج الإسلام، الذى تميز به عن الغلو الذى أصاب أهل الشرائع الأخرى. 
    وقال الإمام: (فلقد ظهر الإسلام لا روحيا مجردا ولا جسديا جامدا ، بل إنسانيا وسطا بين ذلك، آخذا من كلا القبيلتين بنصيب، فتوافر له من ملائمة الفطرة البشرية ما لم يتوافر لغيره، ولذلك سمى نفسه، دين الفطرة، وعرف له ذلك خصومه اليوم، وعدوه المدرسة الأولى التى يرقى فيها البرابرة على سلم المدنية.
    فالوسطية هى السمة المميزة للإسلام، وهى السبب الذى جعل الإسلام دين الفطرة البشرية السوية، فكان لذلك سلم الارتقاء على درب المدنية، بشهادة الخصوم قبل الأصدقاء، ولقد أفاض الأستاذ الإمام فى الحدي عن هذه الوسطية الإسلامية الجامعة فى الإصلاح بين الدين والدنيا، وذلك فى تفسيره قول الله سبحانه وتعالى )وكذلك جعلناكم أمة وسطا  (
    مشيرا إلى دلالات مجئ الحديث عن الوسطية الإسلامية فى سياق حديث عن الهداية الإلهية للإنسان {القرآن والله يهدى من يشاء}. وجاءت هذه الوسطية ثورة على شيوع الغلو غلو الإفراط والتفريط الذى ساد الشرائع والأنساق الفكرية التى سبقت الإسلام.

ويضيف د. عمارة أن الإمام محمد عبده بلور مذهبه فى العقلانية الإسلامية. كقسمة فى مشروعه الحضارى للإصلاح بالإسلام، فى مواجهة القيادات الفكرية التى انحازت إلى الغلو، ولذلك كان فقده لتيارات الغلو إزاء العقل والعقلانية إفراطا كان هذا الغلو أو تفريطا قسمة أساسية فى إبداعه العقلانى وهو الغلو النصوصى (السلفى) والغلو الباطنى (الخرافى) والغلو المادى الوضعى، والواقع المادى وحده. 
كذلك نظرية الهدايات الأربع فى مواجهة الاستقطابات الحادة فى نظرية المعرفة عند تيارات الغلو الدينى واللادينى، حيث وقف أهل المادية والوضعية فى سبل المعرفة عند العقل والحواس فقط، ووقف أهل الجمود والتقليد للموروث عند النصوص وحدها، ووقف غلاة الصوفية الباطنية عند خطرات القلوب دون سواها. 
وفى مواجهة هذا الغلو الذى سقط فيه كل هؤلاء، تفردت الوسطية الإسلامية الجامعة بالتأليف بين ما سماه الإمام محمد عبده (الهدايات الأربع)، هدايات العقل والنقل والتجربة والوجدان، التى تزامنت وتكاملت فى تحصيل المعرفة الإسلامية الشرعية والمدنية فأثمرت الثقافة والمعرفة الإسلامية المتوازنة، فبالجمع والتأليف بين هذه الهدايات تكون الثقافة والمعرفة الوسطية التى يوقف فيها العقل والقلب ويرطب فيها القلب حسابات العقول المجردة. 
وتكتشف فيها التجارب والحواس آيات الله المبثوثة فى الأنفس والآفاق كتاب الله المنظور ويضيف فيها النقل بنبأ السماء العظيم ما لا تستطيع العقول والحواس وهى نسبية الإدراك الاستقلال بمعرفته من نبأ الغيب وعوالم الإلهيات. 
ولقد أفاض الإمام عبده فى الحديث عن هذه النظرية نظرية الهدايات الأربع الممثلة للوسطية الإسلامية الجامعة فى نظرية المعرفة، وذلك عندما وقف فى تفسيره لسورة الفاتحة أمام قول الحق {أهدنا الصراط المستقيم}. فقال الهداية فى اللغة : الدلالة بلطف على ما يوصل للمطلوب
ولقد منح الله الإنسان أربع هدايات يتوصل بها إلى السعادة وهى هداية الوجدان الطبيعى والإلهام الفطرى وتكون للأطفال منذ ولادتهم. 

والثانية: هداية الحواس والمشاعر، وهى متممة للهداية الأولى فى الحياة الحيوانية. 

والثالثة: هداية الغفل وخلق الإنسان ليعيش مجتمعا. والرابعة: الدين، يغلط العقل فى إدراكه كما تغلط الحواس.

Read 2023 times